كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)

ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدالكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً)) . رواه مسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ودعائهم لكشف الشدائد وقضاء الحوائج، ولما استحكموا في التوحيد أذن لهم في ذلك. قال العيني في شرح البخاري (ج8:ص70) : معنى النهي عن زيارة القبور إنما كان في أول الإسلام عندهم قربهم بعبادة الأوثان واتخاذ القبور مساجد، فلما استحكم الإسلام وقوي في قلوب الناس وأمنت عبادة القبور والصلاة إليها، نسخ النهي عنها؛ لأنها تذكر الآخرة وتزهد في الدنيا-انتهى. وقال الطيبي: الفاء في قوله "فزوروها" متعلق بمحذوف، أي كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فإن المباهاة بتكثير الأموات فعل الجاهلية. وأما الآن فقد دار رحى الإسلام وهدم قواعد الشرك فزوروها، فإنها تورث رقة القلب وتذكر الموت والبلى وغير ذلك من الفوائد-انتهى. ويؤيده ما في رواية الترمذي من زيادة "فإنها تذكر الآخرة"، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد وحديث أم سلمة عند الطبراني "فإن فيها عبرة"، وفي حديث ابن مسعود الآتي "فإنها تزهد في الدنيا"، وفي حديث أبي هريرة الآتي "فإنها تذكر الموت"، وفي حديث أنس عند الحاكم "ترق القلب وتدمع العين فلا تقولوا هجراً" أي كلاماً فاحشاً أو ما ينبغي من الكلام، وهو بضم الهاء وسكون الجيم. (ونهيتكم عن لحوم الأضاحي) بتشديد الياء أي عن ادخارها وإمساكها، وكان النهي لأجل الفقراء المحتاجين من أهل البادية الذين دخلوا المدينة. (فوق ثلاث) أي ليال. وفي رواية للنسائي: فوق ثلاثة أيام. (فأمسكوا) أي لحومها مطلقاً، فالأمر للرخصة، وهو الظاهر من إطلاق الحديث. (ما بدا) بالألف أي ظهر. (لكم) أي مدة بدو الإمساك. قال الطيبي: نهاهم أن يأكلوا ما بقي من لحوم أضاحيهم فوق ثلاث ليال، وأوجب عليهم التصدق به، فرخص لهم الإمساك ما شاء-انتهى. وفي رواية للنسائي: فكلوا وأطعموا وادخروا ما بدالكم. (ونهيتكم عن النبيذ) أي عن إلقاء التمر والزبيب ونحوهما في الماء. (إلا في سقاء) بكسر السين أي قربة، وذلك أن السقاء يبرد الماء فلا يشتد ما يقع فيه اشتداد ما في الظروف والأواني، فيصير خمراً، قاله الطيبي. وقال القاري: فإن السقاء جلد رقيق لا يجعل الماء حاراً، فلا يصير مسكراً عن قريب، بخلاف سائر الظروف، فإنها تجعل الماء حاراً، فيصير النبيذ مسكراً، فرخص لهم في شرب النبيذ من كل ظرف ما لم يصر مسكراً، فقال: (فاشربوا في الأسقية) أي الظروف والأواني وإلا لا يصح المقابلة، وفيه تغليب لما عرف من تعريف السقاء. (ولا تشربوا مسكراً) قال الطيبي: حاصله أن المنهي هو المسكر لا الظروف بعينها، كما قال: نهاهم عن أربع الحنتم والدباء والنقير والمزفت-انتهى. وسيأتي بسط الكلام في ذلك في الأشربة إن شاءالله تعالى. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً الترمذي وأبوداود والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وغيرهم.

الصفحة 511