كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)

رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال: قد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن برخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في زيارة القبور، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقال السيوطي: زوّارات جمع زوارة بمعنى زائرة. قلت: ويؤيده حديث ابن عباس عند أحمد وأبي داود والنسائي بلفظ "زائرات القبور"، فإنه يدل على أنه لا فرق بين الزائرات والزوارات، وأن الزوارات بمعنى الزائرات، وعلى هذا يمكن أن يقال: إن اللعن محمول على زيارتهم بما لا يجوز كالتبرج والجزع والصياح وغير ذلك مما لا ينبغي، وأما إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن؛ لأن الزيارة عللت بتذكير الموت، ويحتاج إليه الرجال والنساء جميعاً. قال القاري بعد ذكر الأحاديث التي وردت في الرخصة في زيارة القبور: وقد عللت الزيارة فيها بأنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة والموت، وبأن فيها عبرة ما لفظه هذه الأحاديث بتعليلاتها تدل على أن النساء كالرجال في حكم الزيارة إذا زرن بالشروط المعتبرة في حقهن، وأما خبر: لعن الله زوّارات القبور، فمحمول على زيارتهن لمحرم كالنوح وغيره مما اعتدنه-انتهى. وقال القرطبي: وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك (أي تضييع حق الزوج والتبرج وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك) فلا مانع من الإذن لهن؛ لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء-انتهى. قال الشوكاني: وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر-انتهى. (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه) وأخرجه ابن حبان والبيهقي (ج4ص78) أيضاً. وفي الباب عن ابن عباس، وقد تقدم في باب المساجد. وعن حسان بن ثابت، أخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم والبيهقي. (وقال) أي الترمذي. (قد رأى) أي اعتقد. (بعض أهل العلم أن هذا) أي اللعن. (كان قبل أن يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في زيارة القبور، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء) ، قال الحافظ في الفتح: وهو قول الأكثر، ومحله ما إذا أمنت الفتنة، وممن حملهن الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة عنه كما تقدم في آخر باب دفن الميت. قال الشوكاني: استدل القائلون بالجواز بأدلة منها: دخولهن تحت الإذن العام بالزيارة، ويجاب عنه بأن الإذن العام مخصص بهذا النهي الخاص المستفاد من اللعن، إما على مذهب الجمهور فمن غير فرق بين تقدم العام وتأخره ومقارنته وهو الحق، وإما على مذهب البعض القائلين بأن العام المتأخر ناسخ فلا يتم الاستدلال به إلا بعد معرفة تأخره منها-انتهى. وقال شيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (ج2ص138) : النهي ورد خاصاً بالنساء، والإباحة لفظها عام، والعام لا ينسخ الخاص، بل الخاص حاكم عليه ومقيد له. قال الشوكاني: ومنها ما رواه مسلم عن عائشة قالت: كيف أقول يا رسول الله إذا زرت القبور؟ قال: قولي السلام على

الصفحة 519