كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 5)
..............................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يستحب أن يرفع يديه في حال تكبيرة حسب رفعهما مع تكبرة الإحرام، وبه قال عطاء والأوزاعي وأبوحنيفة والشافعي، وقال مالك والثوري: لا يرفعهما فيما عدا تكبيرة الإحرام، لنا ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه مع التكبير. قال أحمد: أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله. وروي عن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة وفي العيد، رواه الأثرم. ولا يعرف له مخالف في الصحابة – انتهى. قلت: أثر عمر رواه البيهقي أيضاً (ج3 ص293) وفيه ابن لهيعة. والحديث الذي استدل به أحمد على رفع اليدين مع التكبيرات الزائد قيل: هو محمول على الصلاة المكتوبة لما روى ابن ماجه بسند ضعيف عن عمير بن حبيب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة – انتهى. والحق أنه ليس في رفع اليدين مع تكبيرات العيدين حديث صريح مرفوع لا قوي ولا ضعيف، وأقوى ما استدل به القائلون بالرفع إنما هو عموم بعض الأحاديث وإطلاقه، فقد روى أبوداود والدارقطني (ص108) ، والبيهقي (ج3 ص293) من طريق بقية – وقد تابعه في ذلك ابن أخي الزهري عند الدارقطني (ص108) – ثنا الزبيدي عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة رفع يديه ... الحديث، وفي آخره: ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع حتى تنقضي صلاته، قال الحافظ في التلخيص (ص145) : احتج به ابن المنذر والبيهقي، أي على رفع اليدين في تكبيرات العيدين بناءً على أن المراد بقوله: "ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع" العموم في كل تكبيرة تقع قبل الركوع، فيندرج في ذلك تكبيرات العيدين لا العموم في تكبيرات الركوع، كما توهم ابن التركماني. والأولى عندي ترك الرفع لعدم ورود نص صريح في ذلك، ولعدم ثبوته صريحاً بحديث مرفوع صحيح، ومن رفع مستدلاً بعموم حديث ابن عمر وإطلاقه، وبما روي عن عمر وابنه عبد الله وزيد بن ثابت من فعلهم فلا بأس به، هذا ما عندي، والله تعالى أعلم. والرابعة: هل يشرع الموالاة بين التكبيرات أو يشرع الفصل بينها بشيء من التحميد والتسبيح ونحو ذلك؟ قال ابن قدامة: إذا فرغ من الاستفتاح حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم فعل هذا بين كل تكبيرتين، فإن قال: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً فحسن، وإن قال غيره نحو أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر أو ما شاء من الذكر فهو جائز، وبهذا قال الشافعي، وقال أبوحنيفة ومالك والأوزاعي: يكبر متوالياً لا ذكر بينه؛ لأنه لو كان بينه ذكر مشروع نقل كما نقل التكبير – انتهى. وقال الرافعي: يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية لا طويلة ولا قصيرة. هذا لفظ الشافعي، وقد روي مثل ذلك عن ابن مسعود قولاً وفعلاً. قلت: الراجح عندي ما ذهب إليه مالك وأبوحنيفة؛ لأنه لم يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر بين التكبيرات، ولم يرو ذلك في حديث مسند، ولا نقل عن أحد من السلف إلا ما جاء في حديث جابر المتقدم مع ما فيه من الكلام، وفي ما روي عن ابن مسعود موقوفاً عند
الصفحة 54
560