كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 6)

إنما إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضده بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها طهوراً للأمور الخ، ثانيهما أن هذا من الحق الزائد على الواجب ولا عقاب بتركه، وإنما ذكر استطراداً لما ذكر حقها بين الكمال فيه، وإن كان له أقل يزول الذم بفعله، وهو الزكاة. ويحتمل أن يكون ذلك من الحق الواجب إذا كان هناك مضطر إلى شرب لبنها. فيحمل الحديث على هذه الصورة - انتهى. (إلا إذا كان يوم القيامة) استثناء مفرغ من أعم الأحوال (بطح) على بناء المفعول أي طرح وألقى صاحب الإبل على وجهه (لها) أي لأجل تلك الإبل. قال النووي: قوله "بطح" قال جماعة: معناه ألقي على وجهه. قال القاضي: قد جاء في رواية للبخاري (في ترك الحيل) تخبط وجهه بأخفافها، قال: وهذا يقتضي أنه ليس من شرط البطح كونه على الوجه، وإنما هو في اللغة بمعنى البسط والمد، فقد يكون على وجهه، وقد يكون على ظهره، ومنه سميت بطحاء مكة لانبساطها (بقاع) أي في أرض واسعة مستوية (قرقر) بقاف وراء مكررتين بفتح القافين وإسكان الراء الأولى أي أملس. وقيل: أي مستو واسع، فيكون صفة مؤكدة. قال الجزري: القاع المكان المستوي من الأرض الواسع، والقرقر الأملس. وقال النووي: القرقر المستوي من الأرض الواسع فهو بمعنى القاع فذكره بعده تأكيداً (أوفر ما كانت) أي أكثر عدداً وأعظم سمناً وأقوى قوة، لأنها تكون عنده على حالات مختلفة، فتأتي على أكملها ليكون ذلك أنكى له لشدة ثقلها. في شرح السنة يريد كمال حال الإبل التي وطئت صاحبها في القوة والسمن ليكون أثقل لوطئها. قال الطيبي "أوفر" مضاف إلى " ما" المصدرية، والوقت مقدر وهو منصوب على الحال من المجرور في "لها" والعامل "بطح" وقوله (لا يفقد) أي الصاحب (منها) أي من الإبل (فصيلا) أي ولدا (واحدا) تأكيد، والجملة مؤكدة لقوله "أوفر" (تطؤه) حال أو استئناف بيان أي تدوسه الإبل (بأخفافها) جمع خف البعير أي بأرجلها، والخف من الإبل بمنزلة الظلف للغنم، والقدم للآدمي، والحافر للحمار والبغل والفرس. والظلف بكسر الظاء للبقر والغنم والظباء. وكل حافر منشق فهو ظلف، وقد استعير الظلف للفرس (وتعضه) بفتح العين) (بأفواهها) أي بأسنانها (كلما مر عليه أولاها) أي أولى الإبل (رد عليه أخراها) كذا في جميع الأصول من صحيح مسلم من رواية زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة. كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها. قال عياض: قالوا هو تغيير وتصحيف، وصوله ما في الرواية التي بعده من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه "كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها) " وبهذا ينتظم الكلام، وكذا وقع في مسلم من حديث أبي ذر أيضا وأقره النووي على هذا، وحكاه القرطبي، وأوضع وجه الرد بأنه إنما يرد الأول الذي قد مر قبل، وأما الآخر فلم يمر بعد، فلا يقال: فيه، رد ثم أجاب بأنه يحتمل أن

الصفحة 12