كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 6)

قيل: يا رسول الله! فالخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر، فرجل ربطها رياء وفخراً ونواء على أهل الإسلام، فهي له وزر، وأما التي هي له ستر: فرجل ربطها في سبيل الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الحق في جميع المال غير متميز، ولأن المال لما لم تخرج زكاته غير؟ مطهر. وفيه دليل على وجوب الزكاة في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم. قال النووي: ولا خلاف في ذلك، وهذا الحديث أصح الأحاديث الواردة في زكاة البقر (قيل يا رسول الله فالخيل) أي ما حكمه (قال فالخيل الخ) قال الطيبي: جواب على أسلوب الحكيم وله توجيهان، فعلى مذهب الشافعي معناه: دع السؤال عن الوجوب، إذ ليس فيه حق واجب، ولكن أسأل عما يرجع من اقتناءها على صاحبها من المضرة والمنفعة، وعلى مذهب أبي حنيفة معناه: لا تسأل عما وجب فيه من الحقوق وحده، بل أسأل عنه وعما يتصل بها من المنفعة والمضرة إلى صاحبها. فإن قيل كيف يستدل بهذا الحديث على الوجوب؟ قلت: بعطف الرقاب على الظهور، لأن المراد بالرقاب الذوات إذ ليس في الرقاب منفعة للغير كما في الظهور، وبمفهوم الجواب الآتي في قوله عليه السلام: ما أنزل علي في الحمر شيء. وأجاب القاضي عنه بأن معنى قوله: ثم لم ينس حق الله في رقابها، أداء زكاة تجارتها- انتهى. وقيل: المراد بالحق في رقابها الإحسان إليها، والقيام بعلفها وسائر مؤنها. والمراد بظهورها إطراق فحلحا ًإذا طلب منه إعارته. وهذا على سبيل الندب. وقال ابن حجر أي فالخيل ما حكمها أيجب فيها زكاة فيعاقب تاركها لذلك أولا؟ فلا قال: فالخيل أحكامها ثلاثة أخرى أي غير ما مر، فلا زكاة فيها حتى يعاقب تاركها (ثلاثة) أي ربطها على ثلاثة أنحاء، قاله القاري (هي) أي الخيل (وزر) أي إثم وثقل (وهي لرجل ستر) بكسر السين أي لحاله في معيشيته لحفظة عن الاحتجاج إلى الخلق وصيانته عن السؤال (وهي لرجل أجر) أي ثواب عظيم. قال الطيبي: في قوله "فالخيل ثلاثة" فيه جمع وتفريق وتقسيم. أما الجمع فقوله ثلاثة، وأما التفريق فقوله (فأما التي هي له وزر فرجل) الظاهر. أن يقال: فخيل ربطها أو يقال وأما الذي له وزر فرجل. قلت: قال النووي: قوله فأما التي هي له وزر، هكذا هو في أكثر نسخ صحيح مسلم، ووقع في بعضها "الذي" وهو أوضح وأظهر. وعلى النسخة المشهورة فالأظهر أن يكون التقدير فخيل رجل (ربطها رياء) أي ليرى الناس عظمته في ركوبه وحشمته (وفخراً) أي يفتخر باللسان على من دونه من أفراد الإنسان (ونواء) بكسر النون والمد أي معاداة؟، يقال: ناوأت الرجل مناوأة أي عاديته، والواو بمعنى أو، فإن هذه الأشياء قد تفترق في الأشخاص، وكل واحد منها مذموم على حدته (فهي) أي تلك الخيل (له وزر) أي على ذلك القصد، فهي جملة مؤكدة مشعرة باهتمام الشارع به، والتحذير عنه (وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله) قال الطيبي: لم يرد به الجهاد، بل النية الصالحة، إذ يلزم التكرار، قال:

الصفحة 14