كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 6)

ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر، وأما التي هي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج وروضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويعضده رواية غيره و"رجل ربطها تغنيا وتعففاً) أي استغناء بها وتعففاً عن السؤال، أو هو أن يطلب بنتاجها والغني أو يتردد عليها متاجرة ومزارعة، فتكون ستراً له يحجبه عن الفاقة (ثم لم ينس حق الله في ظهورها) أي بالعارية للركوب أو الفعل (ولا رقابها) قال الطيبي: إما تأكيد وتتمة للظهور، وإما دليل على وجوب الزكاة فيها- انتهى. وقال الجزري في جامع الأصول (ج5 ص466- 467) أما حق ظهورها فهو أن يحمل عليها منقطعاً، ويشهد له قوله في موضع آخر "وأن يفقر ظهرها" وأما حق رقابها فقيل أراد به الإحسان إليها (والقيام بعلفها وسائر مؤنها) وقيل: أراد به الحمل عليها فعبر بالرقبة عن الذات - انتهى. وأوله السندي بأن المراد لم ينس شكر الله لأجل إباحة ظهورها وتمليك رقابها، وذلك الشكر يتأدى بالعارية (فهي له ستر) أي حجاب يمنعه عن الحاجة للناس (ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام) فيه إشارة إلى أن المراد به الجهاد فإن نفعه متعد إلى أهل الإسلام (في مرج) بفتح الميم وسكون الراء آخره جيم أي مرعى. في النهاية هو الأرض الواسعة ذات نبات كثير يمرج فيها الدواب أي تسرح، والجار متعلق بـ"ربط" (وروضة) عطف تفسير أو الروضة أخص من المرعى وفي نسخة المصابيح بلفظ: أو، وكذا في مسلم. قال ابن الملك: شك من الراوي ذكره في المرقاة. وقال الولي العراقي: المرج الموضع الواسع الذي فيه نبات ترعاه الدوآب، سمي بذلك، لأنها تمرج فيه، أي تروح وتجيء وتذهب كيف شاءت. والروضة الموضع الذي يكثر فيه الماء، فيكون فيه صنوف النبات من رياحين البادية وغيرها، فالفرق بين المرج والروضة أن الأول معد لرعي الدواب، ولذلك يكون واسعاً ليتأتى لها فيه ذلك، والروضة ليست معدة لرعي الدوآب، وإنما هي للتنزه بها لما فيها من أصناف النبات. هذا هو الذي يتحرر من كلام أهل اللغة، فصح عطف الروضة على المرج، وكذا وقع في صحيح مسلم عطف الروضة أولاً بالواو وثانية بأو؟ والظاهر أن الواو أولاً بمعنى أو انتهى (فما أكلت) أي الخيل (من ذلك المرج) بيان مقدم (من شيء) أن من العلف أو الأزهار قل أو كثر (إلا كتب له عدد ما أكلت) أي الذي أكلته من العشب والذرع (حسنات) بالرفع نائب الفاعل ونصب عدد على نزع الخافض أي بعدد مأكولاتها. وقال الولي الراقي: برفع "عدد" لنيابته عن الفاعل، ونصب "حسنات" بالكسرة على التمييز. ويحتمل رفع قوله "حسنات" على أنه بدل من عدد أو عطف بيان. ويحتمل أن يكون هو النائب عن الفاعل، ويكون قوله "عدد"

الصفحة 15