كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 6)

وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طولها فاستنت شرفا أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه، ولا يريد أن يسقيها، إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات. قيل: يا رسول الله! فالحمر؟ قال ما أنزل عليَّ في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومنصوباً نصب المصدر العددي (وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات) لأن بها بقاء حياتها مع أن أصلها قبل الاستحالة غالباً من مال مالكها (ولا تقطع) أي الخيل (طولها) بكسر الطاء وفتح الواو. ويقال: طيلها بالياء، وكذا جاء في الموطأ. والطول والطيل حبلها الطويل الذي شد أحد طرفيه في يد الفرس والآخر في وتد أو غيره لتدور فيه وترعى من جوانبها، ولا تذهب لوجهها (فاستنت) بتشديد النون أي جرت بقوة من الاستنان، وهو الجري. قال القاري: أي عدت ومرجت ونشطت لمراحها (شرفاً) بفتح الشين المعجمة والراء، هو العالي من الأرض. وقيل: المراد هنا طلقا أو طلقين، قاله النووي. وقال الجزري: الشرف الشوط والمدى (عدد آثارها) أي بعدد خطاها (أوراثها) أي في تلك الحالة، ولعله أراد بالروث هنا ما يشمل البول أو أسقطه للعلم به منه (على نهر) بفتح الهاء وسكونها (فشربت) أي الخيل (ولا يريد) أي والحال أن صاحبها لا ينوي (أن يسقيها) بفتح الياء وضمها (إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات) قال الطيبي: فيه مبالغة في اعتداد الثواب، لأنه إذا اعتبر ما تستقذرة النفوس وتنفر عنه الطباع فكيف بغيرها، وكذا إذا احتسب مالا نية له فيه، وقد ورد وإنما لكل امريء ما نوى، فما بال ما إذا قصد الاحتساب فيه، قال ابن الملك، فالحاصل أنه يجعل لمالكها بجميع حركاتها وسكناتها وفضلاتها حسنات. قال الحافظ: وفيه أن الإنسان يؤجر على التفاصيل التي تقع في فعل الطاعة إذا قصد أصلها، وإن لم يقصد تلك التفاصيل (فالحمر) بضمتين جمع حمار أي ما حكمها (إلا هذه الآية) بالرفع (الفاذة) بالذال المعجمة المشددة أي المنفردة في معناها. وقيل: القليلة النظير. وقيل: النادرة الواحدة (الجامعة) أي العامة المتبناولة لكل خير ومعروف. قال ابن الملك: يعني ليس في القرآن آية مثلها في قلة الألفاظ وجمع معاني الخير والشر. قال الطيبي: سميت جامعة لاشتمال اسم الخير على جميع أنواع الطاعات فرائضها نوافلها، واسم الشر على ما يقابلها من الكفر والمعاصي صغيرها وكبيرها: قال النووي وفيه إشارة إلى التمسك بالعموم. ومعنى ذلك أنه لم ينزل عليَّ فيها نص بعينها، ولكن نزلت هذه الآية العامة (فمن يعمل مثقال ذرة) أي مقدار نملة أو ذرة من الهباء الطائر في الهواء (خيراً يره) أي يرى ثوابه وجزاءه (ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) فلو أعان أحداً على بر بركوبها يثاب، ولو استعان بركوبها على فعل معصية يعاقب

الصفحة 16