كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 6)

فلم يكن حاجة إلى تعليم الدعاء والأمر به وأجاب الجمهور أيضاً بأن سائر ما يأخذه الإمام من الكفارات والديون وغيرهما لا يجب عليه فيها الدعاء، فكذلك الزكاة، وبأن ذلك لا يجب على الفقير المدفوع إليه، فالنائب أولى. وأما الآية فيحتمل أن يكون الوجوب خاصاً به لكون صلاته سكناً لهم بخلاف غيره. واستدل بالحديث على جواز الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً، وأنه يدعو آخذ الصدقة للمتصدق بهذا الدعاء، وهو قول أحمد، قالوا والصلاة ههنا بمعنى الدعاء والتبريك لا بمعنى التعظيم والتكريم. وكره مالك والشافعي وأبوحنيفة، قالوا لا يصلي على غير الأنبياء استقلالاً، ولكن يصلي عليهم تبعاً. وأجابوا عن هذا الحديث بأن هذا حقه عليه الصلاة والسلام له أن يعطه لمن شاء، وليس لغيره ذلك. وقال في اللمعات: هذه الصلاة غير ما يصلي به على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو بمعنى الترحم والتعطف والترحيب لا على وجه التعظيم والتكريم أخذا من قوله تعالى: {وصل عليهم} [التوبة:103] وقيل: لا يجوز الدعاء بلفظ الصلاة على أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم ولمن سواه من الأئمة أن يدعوا عند أخذ الصدقة بمضمونه وبمعناه لا بلفظ الصلاة – انتهى. قلت: ومال البخاري إلى الجواز مطلقاً حيث بوب في جامعه الصحيح. باب هل يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وصدر بالآية وهي قوله تعالى: {وصل عليهم} ثم أورد الحديث الدال على الجواز مطلقاً، وهو حديث عبد الله بن أبي أوفى، وعقبه بالحديث الدال على الجواز تبعا. قال الحافظ: قوله له يصلي على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ أي استقلالاً أو تبعاً، ويدخل في الغير الأنبياء والملائكة والمؤمنون. فأما مسألة الأنبياء فورد فيها أحاديث: أحدها حديث علي في الدعاء بحفظ القرآن، ففيه وصل علي وعلى سائر النبيين، أخرجه الترمذي والحاكم، وحديث بريدة رفعه: لا تتركن في التشهد الصلاة علي وعلى أنبياء الله، الحديث أخرجه البيهقي بسند واه، وحديث أبي هريرة رفعه: صلوا على أنبياء الله، الحديث أخرجه إسماعيل القاضي بسند ضعيف، وحديث ابن عباس رفعه: إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله، فإن الله بعثهم كما بعثني، أخرجه الطبراني، وسنده ضعيف أيضاً. وقد ثبت عن ابن عباس اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عثمان بن حكيم عن عكرمة عنه، قال: ما أعلم الصلاة تنبغي علي أحد إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا سند صحيح: وحكي القول به عن مالك، وقال ما تعبدنا به، وجاء نحوه عن عمر بن عبد العزيز، وعن مالك يكره. وقال عياض: عامة أهل العلم على الجواز. وقال سفيان: يكره أن يصلي إلا على نبي. ووجدت بحظ بعض شيوخي مذهب مالك لا يجوز أن يصلي إلا على محمد، وهذا غير معروف عن مالك، وإنما قال أكره الصلاة على غير الأنبياء، وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به، وخالفه يحيى بن يحيى فقال لا بأس به، واحتج بأن الصلاة دعا بالرحمة فلا يمنع إلا بالنص أو إجماع. قال عياض: والذي أميل إليه قول مالك وسفيان وهو قول المحققين من المتكلمين والفقهاء، قالوا يذكر غير الأنبياء بالرضاء والغفران، والصلاة على غير الأنبياء يعني

الصفحة 22