كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 6)

في سبيل الله فهي على ومثلها معها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للركوب أو سريع الوثوب (في سبيل الله) قصة خالد تُؤولّ على وجوه: أحدها أنهم طالبوا خالداً بالزكاة عن أثمان الأعتاد والأدراع بظن أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة فيها علي، فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن خالداً منع الزكاة، فقال: إنكم تظلمونه، لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول، فلا زكاة فيها، فيكون فيه حجة لمن أسقط الزكاة عن الأموال المحبسة ولمن أوجبها في عروض التجارة، ولمن جوز احتباس آلات الحروب من الدروع والسيوف والجحف، وقد يدخل فيها الخيل والإبل، لأنها كلها عتاد للجهاد، وعلى قياس ذلك الثياب والبسط والفرش ونحوها من الأشياء التي ينتفع بها مع بقاء أعيانها، ولمن جوز صحة الوقف والحبس من غير إخراج من يد الواقف، وذلك أن الشيء لو لم يكن في يده لم يكن لمطالبته بالزكاة عنه معنى، وثانيها، أنه قد اعتذر لخالد ودافع عنه. وأراد أن يمنع الزكاة إن وجبت عليه، لأنه قد جعل أدراعه وأعتاده في سبيل الله تبرراً وتبرعاً وتقرباً إليه تعالى، وذلك غير واجب عليه، فكيف يجوز عليه منع الصدقة الواجبة، فإذا أخبر بعدم الوجوب أو منع فيصدق في قوله ويعتمد على فعله. وقيل: المعنى أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقبل قول من أخبره بمنع خالد حملاً على أنه لم يصرح بالمنع، وإنما نقلوه بناء على ما فهموه، ويكون قوله: "تظلمونه" أي بنسبتكم إياه إلى المنع، وهو لم يمنع، وكيف يمنع الفرض، وقد تطوع بتحبيس سلاحه وخيله، وثالثها، أنه أجاز لخالد أن يحتسب ما حبسه في سبيل الله فيما يجب عليه من الزكاة التي أمر بقبضها منه، وذلك لأن أحد الأصناف الثمانية سبيل الله، وهم المجاهدون، فصرفها في الحال كصرفها في المآل فيكون فيه حجة لمن جوز صرف الزكاة إلى صنف واحد من الثمانية، وهو قول كافة العلماء، خلافاً للشافعي، ولمن قال بجواز إخراج القيم في الزكاة كالحنفية، وقد أدخل البخاري هذا الحديث في باب أخذ العروض في الزكاة، فيدل على أنه ذهب إلى هذا التأويل. وتعقب ابن دقيق العيد جميع ما يتفرع على التأويل الأول والثالث بأن القصة واقعة عين محتملة لما ذكر ولغيره، فلا ينهض الاستدلال بها على شئ مما ذكر، قال: ويحتمل أن يكون تحبيس خالد لأدراعه وأعتاده في سبيل الله إرصاده إياها لذلك وعدم تصرفه بها في غير ذلك، وهذا النوع حبس وإن لم يكن تحبيساً أي وقفاً. ولا يبعد أن يراد مثل ذلك بهذا اللفظ، فلا يتعين الاستدلال بذلك لما ذكر، فإنه استدلال بأمر محتمل غير متعين لما ادعى (فهي) أي صدقة العباس (علي) أي أنا ضامن مكتفل عنه، وإلا فالصدقة عليه حرام (ومثلها معها) أي مثل تلك الصدقة في كونها فريضة عام آخر لا في الأسان والمقادير، فإن ذلك يتغير بزيادة المال ونقصانه، ولا يعرف ذلك إلا بعد دخول عام آخر. قيل: معناه أنه أخر عنه زكاة عامين لحاجة بالعباس وتكفل بها عنه. قال الجزري في جامع الأصول (ج5:ص470) معناه أنه أوجبها عليه وضمنه إياها ولم يقبضها، وكانت ديناً على العباس، لأنه رأى به حاجة

الصفحة 27