كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 6)

ثم قال: يا عمر! أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه)) . متفق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فقيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - ألزم العباس بتضعيف صدقته ليكون أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذم عنه، فضمير "عليه" للعباس. والمعنى هي، أي الصدقة المطلوبة من العباس، عليه صدقة أي واجبة ثابتة عليه لازمة له، سيتصدق بها ومثلها معها أي ويضيف إليها مثلها كرماً منه، وليس معناه أنه يقبضها لأن الصدقة عليه حرام لكونه من بني هاشم، أي وظاهر هذا الحديث أنها صدقة عليه ومثلها معها. فكأنه أخذها منه وأعطاها له. وقيل: هو محمول على ظاهره، وكان ذلك قبل تحريم الصدقة على بني هاشم. وقيل: المعنى أن أمواله كالصدقة عليه، لأنه استدان في مفاداة نفسه وعقيل، فصار من جملة الغارمين الذين لا تلزمهم الزكاة، فساغ له أخذ الزكاة بهذا الاعتبار. وقيل: يحتمل أن ضمير "عليه" لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو المرافق لما قبل: إنه صلى الله عليه وسلم استسلف منه صدقة عامين أي فصدقة العباس على الرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيكون موافقاً لقوله في رواية مسلم: فهي علي. وأما معنى، فهي عليه ومثلها معها، فهو أنه أخرها عنه ذلك العام إلى عام قابل، فيكون عليه صدقة عامين، وقد تقدم هذا في كلام أبي عبيدة واضحاً. وقيل: المراد بقوله: فهي عليه أي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليكون موافقاً لرواية مسلم بلفظ: فهي على قال البيهقي ورواية الحديث بلفظ: فهي علي أولى بالصحة، لموافقتها للروايات الصريحة بالاستسلاف والتعجيل-انتهى. وقال الحفاظ بعد ذكر حديث ابن مسعود: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعجل من العباس صدقة سنتين: في اسناده محمد بن ذكوان وهو ضعيف، ولو ثبت لكان رافعاً للإشكال، ولرجح به سياق رواية مسلم على بقية الروايات. وأما معنى فهي له ومثلها معها أي فهي عليه. قال البيهقي: له بمعنى عليه، وهذه الرواية محمولة على سائر الروايات أي اللام هنا بمعنى على لتتفق الروايات. قال الحافظ: وهذا أولى، لأن المخرج واحد، وإليه مآل ابن حبان (أما شعرت) بفتح العين، و"الهمزة" استفهامية، و "ما" نافية أي ما علمت (أن عم الرجل صنو أبيه) بكسر الصاد وسكون النون أي مثله ونظيره، إذ يقال لنخلتين: نبتا من أصل واحد: صنوان، ولأحدهما صنو والمعنى أما تنبهت أنه عمى وأبى، فكيف تتهمه بما ينافي حاله، لعل له عذر أو أنت تلومه، قاله القاري: وقال المظهر: يعني عم الرجل وأبوه كلاهما من أصل واحد، يعني إذا علمت أنه وإني من أصل واحد فلا تقل له ما يتأذى منه محافظة لجانبي. وقال التوربشتي: أراد بأن أباه والعباس من أرومة واحدة وأنه منه بمثابة الأب، ويقال للمثل: الصنو أي مثل أبيه، فمن الأدب بل من الواجب أن لا يسمعه فيه ما يعود منه نقيصه عليه. وقال الجزري: المراد بهذا القول، إن حق العباس في الوجوب كحق أبيه صلى الله عليه وسلم، فأنا أنزهه عن منع الصداقة والمطل بها (متفق عليه) واللفظ لمسلم، وأخرجه أيضًا أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه وأبوعبيد وابن خزيمة والبيهقي.

الصفحة 29