كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 6)

إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما ردت أعيدت له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبمثله ورد التنزيل قال الله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} [التوبة:34] (صفحت) بضم الصاد وتشديد الفاء المكسورة أي جعلت الفضة ونحوها (له) أي لصاحبها (صفائح) أي كأمثال الألواح جمع صفيحة، وهي ما طبع عريضاً. وقرئت مرفوعاً على أنه مفعول ما لم يسم فاعله لقوله: "صفحت" ومنصوبا على أنه مفعول ثان، وفي الفعل ضمير الذهب والفضة، وأنث إما بالتأويل السابق، وإما على التطبيق بينه وبين المفعول الثاني الذي هو هو (من نار) أي يجعل الذهب والفضة صفائح من نار أي يجعل صفائح كأنها نار أو كأنها مأخوذة من نار يعني كأن صفائح الذهب والفضة لفرط احمائها وشدة حرارتها صفائح النار، فتكوى بها (فأحمي عليها) بصيغة المجهول، والجار والمجرور نائب الفاعل أي أوقد عليها نار ذات حمى وحر شديد من قوله: نار حامية، ففيه مبالغة ليست في فأحميت في نار، قاله الطيبي: والضمير في "عليها" إلى الفضة، فالفاء تفسيرية. وقيل: الضمير إلى الصفائح النارية أي تحمى مرة ثانية (في نار جهنم) ليشتد حرها، فالفاء تعقيبية (فيكوى بها) أي بتلك الفضة أو بتلك الصفائح (جنبه وجبينه وظهره) قيل: خص هذه الأعضاء بالذكر من بين سائر الأعضاء، لأنها مجوفة فتسرع الحرارة إليها أو لأن الكي في الوجه أبشع وأشهر، وفي الظهر والجنب أوجع وآلم. وقيل: لأن جمعهم وإمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغني والتنعيم بالمطاعم الشهية والملابس البهية. وقيل: لأن السائل متى تعرض للطلب من البخيل أول ما يبدو منه من آثار الكراهة والمنع أنه يُقَطِّب في وجهه، ويتكلح ويجمع أساريره، فيتجعَّد جبينه، ثم إن كرر الطلب ناء بجانبه عنه ومال عن جبهته وتركه جانباً، فإن استمر الطلب ولاه ظهره واستقبل جهة أخرى وهي النهاية في الرد والغاية في المنع الدال على كراهيته للعطاء والبذل، وهذا دأب مانعي البر والإحسان، وعادة البخلاء بالرفد والعطاء، فلذلك خص هذه الأعضاء بالكيّ، قاله الجزري في جامع الأصول (ج5 ص465) (كلما ردت) أي عن بدنه إلى النار (أعيدت) أي أشد ما كانت كما ترد الحديدة المحماة إلى الكور. ويخرج منه ساعة فساعة، قال الطيبي: أي كلما بردت ردت إلى نار جهنم ليحمى عليها، والمراد منه الاستمرار-انتهى. قلت: وقع في بعض نسخ مسلم: كلما بردت أعيدت. قال النووي: هكذا هو في بعض النسخ، بردت بالباء وفي بعضها ردت بحذف الباء وبضم الراء، وذكر القاضي الروايتين، وقال: الأولى هي الصواب، قال: والثانية رواية الجمهور- انتهى. وقال ابن الملك: يعني إذا وصل كي هذه الأعضاء من أولها إلى آخرها أعيد الكي إلى أولها حتى وصل إلى آخرها (له) أي لمانع الزكاة

الصفحة 9