كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

2048- (10) وعن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صائم
رمضان في السفر كالمفطر في الحضر)) رواه ابن ماجه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ظنا منهم أن إفطاره كان لبيان الجواز (قد صام) أفرد الضمير للفظ البعض ثم رجع لمنعاه (فقال أولئك العصاة أولئك العصاة) جمع العاصي، كذا وقع مكررا مرتين تأكيدا أو تشديدا، ورواه الترمذي والنسائي والبيهقي والطحاوي، وقالوا: أولئك العصاة مرة واحدة، وسياق الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه، فقيل له أن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه فأفطر بعضهم وصام بعضهم، فبلغه أن ناسا صاموا فقال أولئك العصاة-انتهى. وإنما نسب الصائمين إلى العصيان لأنهم خالفوا فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يمتثلوا ما أراده - صلى الله عليه وسلم - برفع قدح الماء وشربه من إتباعه في الإفطار مع وجود المشقة. قال الحافظ: نسب الصائمين إلى العصيان لأنه عزم عليهم فخالفوا. وقال النووي: هذا محمول على من تضرر بالصوم أو أنهم أمروا بالفطر أمرا جازما لمصلحة بيان جوازه فخالفوا الواجب، وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر عاصيا إذا لم يتضرر به، ويؤيد التأويل الأول قوله في الرواية الثانية إن الناس قد شق عليهم الصيام-انتهى. وقال الطيبي: التعريف في الخبر للجنس أي أولئك الكاملون في العصيان، لأنه - صلى الله عليه وسلم - بالغ في الإفطار حتى رفع قدح الماء بحيث يراه كل الناس ثم شرب لكي يتبعوه ويقبلوا رخصة الله فمن أبى فقد بالغ في العصيان والله أعلم-انتهى. (رواه مسلم) من طريق عبد الوهاب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، ورواه أيضاً من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن جعفر، وزاد فقيل له أن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر، ومن طريق الدراوردي رواه الترمذي والبيهقي ورواه النسائي والطحاوي من طريق ابن الهاد عن جعفر بن محمد.
2048- قوله: (صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر) فيه مبالغة في المنع عن الصوم في السفر وهو محمول على حال عدم القدرة ولحوق الضرر والاستنكاف عن العمل برخصة الله. وقال ميرك: يفهم من الحديث منع الصوم في السفر كمنع الإفطار في الحضر. قلت: هذا ظاهر الحديث ومشى عليه الظاهرية كما تقدم، وإنما أولناه بما سبق جمعاً بينه وبين الأحاديث التي وردت على خلاف ذلك صريحاً، وذهب إليها جمهور العلماء. وقال السندي: قوله "كالمفطر" في الحضر أي في غير رمضان فمرجعه إلى أن الصوم خلاف الأولى، أو كالمفطر في رمضان، فمدلوله أنه حرام، والأول هو أقرب ومع ذلك لا بد عند الجمهور من حمله على حالة مخصوصة كما إذا أجهده الصوم-انتهى.

الصفحة 18