كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

قلت: قال ابن حزم (ج6ص253) حديث حمزة بيان جلي في أنه إنما سأله عليه السلام عن التطوع لقوله في الخبر "إني امرؤ أسرد الصوم" قال الحافظ في التلخيص (ص194) لكن ينتقض عليه بأن عند أبي داود في رواية صحيحة من طريق حمزة بن محمد عن أبيه عن جده ما يقتضي أنه سأله عن الفرض وصححها الحاكم-انتهى. وقال ابن دقيق العيد (ج2ص223) ليس في حديث الباب تصريح بأنه صوم رمضان، فلا يكون فيه حجة على من منع صيام رمضان في السفر. قال الحافظ في الفتح: هو كما قال بالنسبة إلى سياق حديث الباب، لكن في رواية أبي مرواح عن حمزة عند مسلم أنه قال: يا رسول الله! أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل على جناح فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي رخصة من الله-الحديث (وسيأتي في الفصل الثالث) وهذا يشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة، وذلك إن الرخصة إنما تطلق في مقابلة ما هو واجب، وأصرح من ذلك ما أخرجه أبوداود والحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبيه أنه قال يا رسول الله! إني صاحب ظهور أعالجه أسافر عليه وأكريه، وأنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان، وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون على من أن أؤخره فيكون ديناً علي فقال: أي ذلك شئت يا حمزة-انتهى. وقيل: الظاهر إن حمزة سأله - صلى الله عليه وسلم - مرتين: مرة عن صيام التطوع، وهو مذكور في حديث عائشة عند الشيخين. ومرة عن صوم رمضان، وهذا مذكور في رواية أبي مرواح عن حمزة عند مسلم، وفي رواية محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه عند أبي داود. وقال الباجي (ج2ص50) سؤال حمزة عام فإذا خرج الجواب مطلقاً حمل على عمومه فحمل على جواز الصوم للفرض والنفل في السفر، ولا يخص صوم إلا بدليل. وذهب بعض أهل الظاهر إلى أن ذلك محمول على التطوع وهذا تخصيص بغير دليل فوجب أن يكون باطلاً-انتهى. واختلف السلف في صوم رمضان في السفر. فقالت طائفة لا يجزئ الصوم عن الفرض، بل من صام في السفر وجب عليه قضاءه في الحضر وهو يقول بعض الظاهرية. قال في الفتح: وحكى عن عمر وابن عمر وأبي هريرة والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم. واحتجوا بقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} قالوا ظاهره فعليه عدة أو فالواجب عدة وتأوله الجمهور بأن التقدير فأفطر فعدة واحتجوا أيضاً بما في حديث ابن عباس عند الشيخين إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من المدينة على رأس ثمان سنين ونصف، ومعه عشرة آلاف إلى مكة يصوم ويصومون، حتى إذا بلغ الكديد أفطر وأفطروا. وإنما يؤخذ من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالآخر فالآخر، ففيه أن الإفطار في السفر كان آخر الأمرين، وإن الصحابة كانوا يأخذون بالآخر فالآخر من فعله فدل على أن صومه - صلى الله عليه وسلم - في السفر منسوخ.

الصفحة 2