كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

لأن كلاً منهما عبادة تركت لعذر (كان) أي الشأن (يصيبنا ذلك) بكسر الكاف وبفتح أي الحيض (فنؤمر) أي نحن معاشر النساء (بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) في شرح الطيبي: قيل: الجواب من الأسلوب الحكيم أي دعى السؤال عن العلة إلى ما هو أهم منها من متابعة النص والانقياد للشارع، وذكر البخاري في كتاب الصيام من صحيحه عن أبي الزناد أنه قال إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيراً على خلاف الرأي فما يجد المسلمون بدا من إتباعها من ذلك، إن الحائض تقضى الصيام ولا تقضى الصلاة-انتهى. يعني أن الأمور الشرعية التي تأتي على خلاف الرأي والقياس ولا يعلم وجه الحكمة فيها يجب الإتباع بها ولا يعترض، ولا يقال لم كان كذا ولا يطلب وجه الحكمة فيها بل يتعبد بها ويؤكل أمرها إلى الله تعالى لأن أفعال الله لا تخلوا عن حكمة ولكن غالبها تخفى على الناس ولا تدركها العقول: قال الحافظ قال الزين بن المنير: نظر أبوالزناد إلى الحيض فوجده مانعاً من هاتين العبادتين وما سلب الأهلية استحال أن يتوجه به خطاب الاقتضاء وما يمنع صحة الفعل يمنع الوجوب فلذلك استبعد الفرق بين الصلاة والصوم فأحال بذلك على إتباع السنة والتعبد المحض. وقد تقدم في كتاب الحيض سؤال معاذة من عائشة عن الفرق المذكور وانكرت عليها عائشة السؤال وخشيت عليها أن تكون تلقنته من الخوارج الذين جرت عادتهم باعتراض السنن بآرائهم، ولم تزدها على الحوالة على النص، وكأنها قالت دعى السؤال عن العلة إلى ما هو أهم من معرفتها وهو الانقياد إلى الشارع. وقد تكلم الفقهاء في الفرق بين الصلاة والصوم، واعتمد كثير منهم على أن الحكمة فيه أن الصلاة تتكرر فيشق قضاءها، بخلاف الصوم الذي لا يقع في السنة إلا مرة. واختار إمام الحرمين أن المتبع في ذلك هو النص وإن كل شيء ذكروه من الفرق ضعيف-انتهى. قال ابن دقيق العيد: (ج1:ص128) اكتفاء عائشة في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونه لم يؤمر به يحتمل وجهين أحدهما أن تكون أخذت إسقاط القضاء من إسقاط الأداء ويكون مجرد سقوط الأداء دليلاً على سقوط القضاء، فيتمسك به حتى يوجد المعارض وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم. والثاني قال: وهو الأقرب إن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم لتكرر الحيض منهن عنده صلى الله عليه وسلم، فلو وجب قضاء الصلاة فيه لوجب بيانه، وحيث لم يبين دل على عدم الوجوب لا سيما، وقد اقترن بذلك قرينة أخرى وهي الأمر بقضاء الصوم وتخصيص الحكم به قال: وفي الحديث دليل لما يقوله الأصوليون من أن قول الصحابي كنا نؤمر وننهى في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لم تقم الحجة به-انتهى. ووقع في رواية البخاري كنا نحيض عند النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به أو قالت: فلا نفعله. قال الحافظ: في هذه الرواية بالشك وعند الإسماعيلي من وجه آخر فلم نكن نقضى ولم نؤمر به والاستدلال بقولها فلم نكن نقضى أوضح من الاستدلال بقولها فلم نؤمر به،

الصفحة 26