كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

وقيل: قوله في شهر يعني به غير شعبان وهو حال من المستكن في أكثر، وفي شعبان حال من المجرور في منه، العائدة إلى الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي ما رأيته كائناً في غير شعبان أكثر صياماً منه كائناً في شعبان مثل زيد قائماً أحسن منه قاعداً. أو كلاهما ظرف أكثر الأول باعتبار الزيادة والثاني باعتبار أصل المعنى، ولا تعلق له برؤيته وإلا يلزم تفضيل الشيء على نفسه باعتبار حالة واحدة كذا في المرقاة. وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يخص شعبان بالصوم أكثر من غيره. واختلف في وجه تخصيص شعبان بكثرة الصوم. فقيل كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان يدل على هذا ما رواه الطبراني عن عائشة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان، وفيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف. وقيل كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان كما أخرجه للترمذي من حديث أنس قال سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الصوم أفضل بعد رمضان، قال شعبان لتعظيم رمضان، وفيه صدقة بن موسى. قال الترمذي: هو عندهم ليس بذاك التقوى. قال الحافظ: ويعارضه حديث أبي هريرة أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم. وقيل وجه تخصيص شعبان بكثرة الصوم إن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان وهذا عكس ما تقدم في الحكمة في كونهن يؤخرن قضاء رمضان إلى شعبان، لأنه ورد فيه إن ذلك لكونهن يشتغلن معه - صلى الله عليه وسلم - عن الصوم. وقيل الحكمة في ذلك أنه يعقبه رمضان وصومه مفترض وكان يكثر من الصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره لما يفوته من التطوع بذلك في أيام رمضان. قال الحافظ: والأولى في ذلك ما جاء في حديث أصح مما مضى، أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة عن أسامة بن زيد قال قلت: يا رسول الله! لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلى لكن قال فيه إن الله يكتب كل نفس ميتة تلك السنة، فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم- انتهى. قيل: ويحتمل أنه كان يكثر من صومه لهذه الحكم كلها. قلت: والمراد برفع الأعمال في حديث أسامة الرفع الخاص لا الرفع العام الذي يكون صباحاً ومساءً، أو المراد الرفع الإجمالي لا التفصيلي. قال في المواهب وشرحه: (بين صلى الله عليه وسلم وجه صيامه لشعبان دون غيره من الشهور بقوله إنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتتفه) أحاط به (شهران عظيمان الشهر الحرام) رجب (وشهر الصيام إشتغل الناس بهما فصار مغفولاً عنه) مع رفع الأعمال فيه إلى الله (وكثير من الناس يظن أن صيام أفضل من صيامه) أي شعبان (لأنه) أي رجب (شهر حرام وليس كذلك)

الصفحة 36