كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

واستشكل هذا مع قوله في رواية الباب ما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان. وأجيب بأن رواية الباب مفسرة لرواية يحيى بن أبي كثير، ومبينة بأن المراد بكله غالبه أي يصوم شعبان بحيث يصح أن يقال فيه أنه يصوم كله لغاية قلة المتروك، بحيث يمكن أن لا يعتد به من غاية قلته. وقيل كان يصوم شعبان كله تارة أي في سنة ويصوم معظمه أخرى أي في سنة أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان. وقيل المراد بقولها كله أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثناءه طورا، فلا يخلى شيئاً منه من صيام، لكن في أكثر من سنة. قال السندي: معنى كله أنه لا يخص أوله بالصيام أو وسطه أو آخره بل يعم أطرافه، وإن كان بلا اتصال الصيام بعضه ببعض وتعقبه في المصابيح بأن الثلاثة كلها ضعيفة، فأما الأول فلأن إطلاق الكل على الأكثر مع الإتيان به توكيد غير معهود انتهى. وقد نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله، ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره. قال الترمذي: كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك، وحاصله إن رواية الباب مفسرة لرواية يحيى بن أبي كثير ومبينة لها، وإن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال. واستبعده أيضاً فقال كل تأكيد لإرادة الشمول ورفع التجوز من احتمال البعض فتفسيره بالبعض مناف له-انتهى. قال الزرقاني في شرح المواهب: لكن الاستبعاد لا يمنع الوقوع، لأن الحديث يفسر بعضه بعضاً لا سيما والمخرج متحد وهو عائشة وهي من الفصحاء. وقد نقله ابن المبارك عن العرب ومن حفظ حجة. قال في المصابيح: وأما الثاني فلأن قولها كان يصوم شعبان كله يقتضى تكرار الفعل وإن ذلك عادة له على ما هو المعروف في مثل هذه العبارة-انتهى. واختلف في دلالة كان على التكرار، وصحح ابن الحاجب أنها تقتضيه قال، وهذا استفدناه من قولهم كان حاتم يقري الضعيف، وصحح الإمام فخر الدين في المحصول أنها لا تقتضيه لا لغة ولا عرفا. وقال النووي في شرح مسلم أنه المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين. وذكر ابن دقيق العيد أنها تقتضيه عرفا-انتهى. قال في المصابيح: وأما الثالث فلأن أسماء الشهور إذا ذكرت غير مضاف إليها لفظ "شهر" كان العمل عاما لجميعها لا تقول سرت المحرم وقد سرت بعضاً منه، ولا تقول صمت رمضان، وإنما صمت بعضه فإن أضفت الشهر إليه لم يلزم التعميم، هذا مذهب سيبويه وتبعه عليه غير واحد. قال الصفار: ولم يخالف في ذلك إلا الزجاج. ويمكن أن يقال إن قولها وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان، لا ينفي صيامه لجميعه، فإن المراد أكثرية صيامه فيه على صيامه في غيره من الشهور التي لم يفرض فيها الصوم، وذلك صادق بصومه كله، لأنه إذا صامه جميعه صدق أن الصوم الذي أوقعه فيه أكثر من الصوم الذي أوقعه في غيره ضرورة إنه لم يصم غيره مما عدا رمضان كاملاً.

الصفحة 38