كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

وقالت طائفة سرر الشهر أوله، وبه قال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز فيما حكاه أبوداود وتعقب بأنه لا يصح أن يفسر سرر الشهر وسراره بأوله، لأن أول الشهر يشتهر فيه الهلال، ويرى من أول الليل، ولذلك سمي الشهر شهراً لاشتهاره وظهوره عند دخوله فتسمية ليالي الاشتهار ليالي السرار قلب اللغة والعرف وقد أنكر العلماء ما رواه أبوداود عن الأوزاعي، منهم الخطابي حيث قال أنا أنكر هذا التفسير وأراه غلطاً في النقل ولا أعرف له وجها في اللغة. ثم حكى عن الأوزاعي بسنده مثل قول الجمهور ثم قال وهذا هو الصواب. وقال البيهقي (ج4ص211) وروى غير أبي داود عن الأوزاعي أنه قال سره آخره وهو الصحيح. وقيل: سرر الشهر وسطه ورجحه بعضهم ووجهه بأن السرر جمع سرة، وسرة الشيء وسطه، وسرار كل شيء وسطه وأفضله، وسرارة الوادي وسطه وخياره. وقال ابن السكيت: سرار الأرض أكرمها ووسطها، ويؤيده ما ورد من استحباب صوم أيام البيض وأنه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب. بل ورد فيه نهي خاص وهو آخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان. ورجحه النووي بأن مسلماً أفرد الرواية التي فيها سرة هذا الشهر عن بقية الروايات وأردف بها الروايات التي فيها الحض على صيام البيض وهي وسط الشهر. قال الحافظ: لكن لم أر في جميع طرق الحديث باللفظ الذي ذكره وهو سرة بل هو عند أحمد من وجهين بلفظ: سرار، وأخرجه من طرق عن سليمان التيمي في بعضها سرر وفي بعضها سرار، وهذا يدل على أن المراد آخر الشهر-انتهى، وتقدم وجه الجمع بين هذا وبين النهي عن صوم آخر شعبان أي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين. وروى أبوداود من طريقه البيهقي عن معاوية مرفوعا صوموا الشهر وسره. قال في النهاية: أراد صوموا أول الشهر وآخره يعني أول كل شهر وآخره والمقصود بيان الإباحة. قال الخطابي: والعرب تسمى الهلال الشهر تقول رأيت الشهر أي الهلال. قال الشاعر:
والشهر مثل قلامة الظفر
أي الهلال. وقيل: المراد بالشهر شعبان أي صوموا شعبان ثم أكد بقوله وسره بأن آخر شعبان أولى بالصيام وقيل: المراد بالشهر رمضان وبسره آخر شعبان، وإضافته إلى رمضان للاتصال والخطاب لمن تعود (قال لا) أي قال الرجل ما صمته (قال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (فإذا أفطرت) أي من رمضان كما في أحمد ومسلم أي فرغت من رمضان (فصم يومين) بعد العيد عوضاً عن سرر شعبان، ففي رواية لأحمد ومسلم فصم يومين مكانه، أي مكان سرر شعبان، وفيه مشروعية قضاء التطوع، وقد يؤخذ منه قضاء الفرض بطريق الأولى خلافاً لمن منع ذلك (متفق عليه) واللفظ للبخاري وأخرجه أحمد (ج4ص428- 432- 434- 439- 442- 444- 446) وأبوداود والدارمي والبيهقي (ج4ص210) .

الصفحة 42