كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

2059- (4) وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) رواه مسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2059- قوله: (أفضل الصيام بعد رمضان) وفي رواية الترمذي بعد صيام شهر رمضان (شهر الله) أي صيام شهر الله، والإضافة إلى الله للتشريف والتعظيم. وقال العراقي في شرح الترمذي: لما كان المحرم من الأشهر الحرم التي حرم فيها القتال، وكان أول شهور السنة أضيف إليه إضافة تخصيص، ولم يصح إضافة شهر من الشهور إلى الله تعالى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا شهر الله المحرم-انتهى. (المحرم) بالرفع صفة المضاف. قال الطيبي: أراد بصيام شهر الله صيام يوم عاشوراء-انتهى. فيكون من باب ذكر الكل وإرادة البعض، لكن الظاهر أن المراد جميع شهر المحرم وتمامه. ويؤيده ما رواه الترمذي والدارمي عن النعمان بن سعد عن علي قال سأله رجل، فقال أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان فقال له، ما سمعت أحداً يسأل عن هذا إلا رجلاً سمعته يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنا قاعد عنده فقال يا رسول الله! أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان قال إن كنت صائماً بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله-الحديث. قال السندي: في حاشية أبي داود وابن ماجه، بعد الإشارة إلى حديث علي هذا يفيد أن المراد تمام الشهر-انتهى. وحديث الباب صريح إن شهر المحرم أفضل الشهور للصوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النبي - صلى الله عليه وسلم - من صوم شعبان دون المحرم بوجهين. أحدهما لعله إنما علم فضله في آخر حياته والثاني: لعله كان يعرض فيه إعذار من سفر أو مرض أو غيرهما تمنع من إكثار الصوم فيه. وقال بعض الشافعية والحنابلة: أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شعبان لمحافظته - صلى الله عليه وسلم - على صومه أو صوم أكثره فحملوا قوله - صلى الله عليه وسلم - أفضل الصيام بعد رمضان المحرم على التطوع المطلق ولا يخفى ما فيه (وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) قال النووي: فيه دليل لما اتفق العلماء عليه إن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار، وفيه حجة لأبي إسحاق المروزي من أصحابنا ومن وافقه على أن صلاة الليل أفضل من سنن الرواتب. وقال أكثر العلماء: الرواتب أفضل لأنها تشبه الفرائض، والأول أقوى وأوفق للحديث والله تعالى أعلم. قال الطيبي: ولعمري إن صلاة التهجد لو لم يكن فيها فضل سوى قوله تعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداًَ} [الإسراء: 79] وقوله {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} إلى قوله {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة: 16، 17] وغيرهما من الآيات لكفاه مزية-انتهى. وتأول الحديث من ذهب إلى أفضلية الرواتب بأنه إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق دون السنن الرواتب التي قبل الفرض وبعده. قالوا: وقوله "بعد الفريضة" أي وتوابعها من السنن المؤكدة. وقال بعضهم: المراد صلاة الليل أفضل من الرواتب من حيثية المشقة والكلفة، والبعد من الرياء والسمعة مطلقاً. والراجح عندي: ما ذهب إليه أبوإسحاق المروزي لموافقته لنص حديث الباب (رواه مسلم) في الصيام وأخرجه أحمد والترمذي في أواخر الصلاة وفي الصيام والنسائي في قيام الليل وأبوداود وابن ماجه والدارمي والبيهقي (ج4ص291) في الصيام.

الصفحة 43