كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

وقيل إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذاً من أوراد الإبل كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام، ثم أوردوها في التاسع، قالوا وردنا عشراً بكسر العين وكذلك إلى الثلاثة. وروى مسلم من طريق الحكم بن الأعرج إنتهيت إلى ابن عباس فقلت أخبرني عن يوم عاشوراء، قال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً، قلت أهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصومه قال نعم، وهذا ظاهره أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع لكن قال الزين بن المنير قوله (أي في رواية البيهقي) إذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائماً يشعر بأنه أراد العاشر لأنه لا يصبح صائماً بعد أن أصبح من تاسعه إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهو الليلة العاشرة. قال الحافظ: ويقوي هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضاً من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فمات قبل ذلك، فإنه ظاهر في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم العاشر وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك-انتهى. قلت وقع في رواية الترمذي أخبرني عن يوم عاشوراء أي يوم أصومه. وللبيهقي أخبرني عن صيام عاشوراء أي يوم هو ووقع في رواية الترمذي، وكذا البيهقي ثم أصبح من يوم التاسع صائماً، وفيه تنبيه على أن من أراد صوم عاشوراء ابتدأ من يوم التاسع، ولا ينبغي أن يقتصر على صوم العاشر فقط. وقد ورد عن ابن عباس ما يدل على ذلك، فقد روى الطحاوي والبيهقي عنه قال خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر، فقد تبين بهذا مراد ابن عباس من رواية مسلم، وإلى هذا الجواب نحا البيهقي حيث قال بعد رواية حديث الحكم بن الأعرج (ج4:ص287) وكان ابن عباس رضي الله عنه أراد صوم التاسع مع العاشر وأراد بقوله في الجواب، نعم ما روى من عزمه - صلى الله عليه وسلم - على صومه، والذي يبين هذا ما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود، وما روينا من طريق سفيان عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله أو يوم بعده يوم عاشوراء، وما روينا من طريق هشيم عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً-انتهى ملخصاً. وقال الشوكاني: الأولى أني يقال أن ابن عباس أرشد السائل له إلى اليوم الذي يصام فيه وهو التاسع، ولم يجب عليه بتعين يوم عاشوراء أنه اليوم العاشر، لأن ذلك مما لا يسئل عنه ولا يتعلق بالسؤال عنه فائدة، فابن عباس لما فهم من السائل إن مقصوده تعيين اليوم الذي يصام فيه أجاب عليه بأنه التاسع، وقوله "نعم" بعد قول السائل أهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم، بمعنى نعم هكذا كان يصوم، لو بقي لأنه قد أخبرنا بذلك. ولا بد من هذا لأنه - صلى الله عليه وسلم - مات قبل صوم التاسع-انتهى. وقال ابن القيم في الهدي (ج1:ص72) لم يجعل ابن عباس عاشوراء هو اليوم التاسع،

الصفحة 46