كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! إنه يوم يعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لئن بقيت إلى قابل، لأصومن التاسع)) . رواه مسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بل قائل للسائل صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل إن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه، كذلك بأن يكون حمل فعله على الأمر وعزمه عليه في المستقبل. ويدل على ذلك أنه هو الذي روى صوموا يوماً قبله ويوماً بعده. وهو الذي روى أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء يوم العاشر. وكل هذه الآثار يصدق بعضها بعضاً ويؤيد بعضها بعضاً. فمراتب صومه ثلاثة، أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر. وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك أفراد العاشر وحده. وأما أفراد التاسع فمن نقص فهم الآثار وعدم تتبع ألفاظها وطرقها وهو بعيد من اللغة والشرع-انتهى. قلت وهكذا جعل الشوكاني والحافظ والشيخ عبد الحق الدهلوي مراتب صوم عاشوراء ثلاثة، وجعلوا صوم العاشر وقبله يوماً وبعده يوماً أكمل المراتب وأفضلها. قال الشيخ عبد الحق في اللمعات: الأفضل أن يصوم العاشر ويوماً قبله ويوماً بعده، وقد جاء ذلك في حديث أحمد-انتهى. قلت: يريد بذلك ما أشار إليه ابن القيم من حديث ابن عباس المرفوع بلفظ: صوموا يوماً قبله ويوماً بعده، لكن الذي وقع في مسند الإمام أحمد (ج1:ص241) طبعة الحلبي صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً أي بحرف أو، لا بالواو، وهكذا وقع في طبعة دار المعارف بشرح الشيخ أحمد شاكر (ج4:ص21) وكذا نقله الحافظ في الفتح كما سيأتي، وكذا وقع عند البيهقي (ج4:ص287) من رواية علي بن محمد المقرئي عن الحسن بن محمد عن يوسف بن يعقوب القاضي عن أبي الربيع عن هشيم عن ابن أبي ليلى، وكذا رواه الطحاوي (ج1:ص338) من وجه آخر وذكر الهيثمي (ج3:ص188) بلفظ: صوموا يوماً قبله ويوماً بعده وعزاه إلى أحمد والبزرا، وهكذا ذكره المجد في المنتقى وابن القيم في الهدي والقاري في المرقاة، وكذا وقع عند البيهقي من رواية ابن عبدان عن أحمد بن عبيد الصفار عن إسماعيل بن إسحاق عن مسدد عن هشيم. وقال القاري: وظاهر أن الواو بمعنى "أو" لأن المخالفة تحصل بأحدهما-انتهى. فالاستدلال برواية أحمد على كون الصوم في التاسع والحادي عشر مع العاشر أي الجمع بين الثلاثة فيه نظر، وعندي مراتب صوم عاشوراء الثلاث هكذا أدناها أن يصوم العاشر فقط، وفوقه أن يصوم الحادي عشر معه وفوقه أن يصوم التاسع والعاشر، وإنما جعلت هذه فوق الموتيتين الأوليين لكثرة الأحاديث فيها والله تعالى أعلم (وأمر بصيامه) أي أصحابه تطوعاً بعد نسخ وجوبه. وقال القاري: أمر بصيامه أي أولاً بالوجوب ثم بعد النسخ بالندب فلما كانت السنة العاشرة من الهجرة (قالوا يا رسول الله!) أي يوم عاشوراء يوم (يعظمه) كذا في جميع النسخ من المشكاة، والذي في صحيح مسلم تعظمه بالتأنيث، وكذا نقله المجد بن تيمية في المنتقى والجزري في جامع الأصول والزيلعي في نصب الراية، وكذا وقع في رواية البيهقي (اليهود والنصارى) أي وقد أمرنا بمخالفتهم فكيف نوافقهم على تعظيمه بالصوم فيه،

الصفحة 47