كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

2064- (9) وعن أبي قتادة، ((أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، فلما رأى عمر غضبه، قال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2064- قوله: (إن رجلاً أتى) لم أقف على إسمه، وفي رواية البيهقي إن أعرابياً وقوله: إن رجلاً أتى، هكذا هو في جميع النسخ من المشكاة وكذا نقله الجزري في جامع الأصول (ج7:ص221) وهكذا وقع في بعض النسخ من صحيح مسلم، ووقع في أكثر النسخ منه "رجل أتى" قال النووي: هكذا هو في معظم النسخ أي من صحيح مسلم عن أبي قتادة "رجل أتى" وعلى هذا يقرأ رجل بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الشأن والأمر رجل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: وقد أصلح في بعض النسخ "إن رجلاً أتى" وكان موجب هذا الإصلاح جهالة انتظام الأول، وهو منتظم كما ذكرته فلا يجوز تغييره والله أعلم. (فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي ظهر أثر الغضب على وجهه (من قوله) أي من قول الرجل وسؤاله، يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - ما أراد إظهار ما خفى من عبادته بنفسه، فكره لذلك سؤاله، أو أنه خاف على السائل في أن يتكلف في الإقتداء، بحيث لا يبقى له الإخلاص في النية، أو أنه يعجز بعد ذلك. قال الخطابي: يشبه أن يكون غضبه صلى الله عليه وسلم من مسألته إياه عن صومه كراهة أن يقتدي به السائل في صومه فيتكلفه ثم يعجز عنه فعلاً أو يسأمه ويمله بقلبه، فيكون صياماً عن غير إخلاص وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يواصل وهو محرم على أمته، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يترك بعض النوافل خوفاً من أن يفرض على أمته إذا فعلوه إقتداء به كما ترك القيام في شهر رمضان بعد أن قام بهم ليلة أو ليلتين، ثم لم يخرج إليهم-انتهى. وقال النووي: سبب غضبه أنه كره مسألته لأنه خشي من جوابه مفسدة وهي أنه ربما يعتقد السائل وجوبه أو يستقله أو يقتصر عليه وكان يقتضى حاله أكثر منه. وإنما اقتصر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - لشغله بمصالح المسلمين، وحقوقهم وحقوق أزواجه وأضيافه والوافدين عليه، ولئلا يقتدي به كل أحد فيؤدي إلى الضرر في حق بعضهم، وكان حق السائل أن يقول كم أصوم أو كيف أصوم، فيخص السؤال بنفسه ليجيبه بما يقتضيه حاله كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم-انتهى. (فلما رأى عمر (بن الخطاب (غضبه) - صلى الله عليه وسلم - على السائل، وخاف أن يكون سؤاله سبباً لأذيته صلى الله عليه وسلم فيدخل تحت قوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} [الأحزاب:57] (قال) أي أدباً وإكراماً له - صلى الله عليه وسلم - وشفقة على السائل واعتذاراً منه واسترضاء (رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً) المنصوبات الثلاث تمييزات، ويمكن أن تكون حالات مؤكدة (نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله) ذكر غضب الله تزيين للكلام وتعيين بأن غضبه تعالى يوافق غضبه عليه الصلاة والسلام قاله القاري (يردد) أي يكرر (كيف من)

الصفحة 53