كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

قال الحافظ: ظاهره أنها تضيق عليه حصرا له فيها لتشديده على نفسه وحمله عليها، ورغبته عن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - واعتقاده إن غير سنته أفضل منها، وهذا يقتضي الوعيد الشديد فيكون حراماً-انتهى. وقال ابن التركماني: ظاهر هذا لا الحديث يقتضى المنع من صوم الدهر. وقد أورده ابن أبي شيبة في باب من كره صوم الدهر. واستدل به ابن حزم على المنع، وقال إنما أورده رواته كلهم على التشديد والنهي عن صومه. وقال ابن حبان: ذكر الإخبار عن نفي جواز سرد المسلم صوم الدهر وذكر هذا الحديث-انتهى. واستدل للمنع أيضاً بما روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي عمر والشيباني: قال بلغ عمر رجلاً يصوم الدهر فأتاه فعلاه بالدرة وجعل يقول كل يا دهري قال ابن حزم: قد صح عن عمر تحريم صيام الدهر كما رويناه فذكر هذا الأثر ثم قال، هذا في غاية الصحة عنه فصح أن تحريم صوم الدهر كان من مذهبه ولو كان عنده مباحاً لما ضرب فيه ولا أمر بالفطر-انتهى. وبما روى ابن أبي شيبة أيضاً من طريق أبي إسحاق إن عبد الرحمن بن أبي نُعيم كان يصوم الدهر، فقال عمرو بن ميمون لو رآى هذا أصحاب محمد لرجموه. وبما روى الطبراني عن عمرو بن سلمة قال سئل ابن مسعود عن صوم الدهر فكرهه. قال الهيثمي: إسناده حسن وذهب آخرون إلى استحباب صيام الدهر لمن قوى عليه ولم يفوت فيه حقا وأفطر الأيام المنهية عنها، وإلى ذلك ذهب الجمهور منهم مالك والشافعي وأحمد في رواية: قال مالك في الموطأ: أنه سمع أهل العلم يقولون لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها وذلك أحب ما سمعت إلى في ذلك-انتهى. وصرح الزرقاني وغيره من المالكية باستحبابه بالشروط المذكورة. قال النووي: مذهب الشافعي وأصحابه إن سرد الصيام إذا أفطر العيدين والتشريق لا كراهة فيه بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوت حقاً فإن تضرر أو فوت حقا فمكروه-انتهى. وقال ابن قدامة (ج3ص167) قال أبوالخطاب: إنما يكره إذا أدخل فيه يومي العيدين وأيام التشريق لأن أحمد قال، إذا يومي العيدين وأيام التشريق رجوت أن لا يكون بذلك بأس. وروى نحو هذا عن مالك وهو قول الشافعي لأن جماعة من الصحابة كانوا يسردون الصوم منهم أبوطلحة. قال ابن قدامة: والذي يقوى عندي إن صوم الدهر مكروه وإن لم يصم هذه الأيام فإن صامها فقد فعل محرما، وإنما كره صوم الدهر لما فيه من المشقة والضعف وشبه التبتل المنهي عنه، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو إنك تصوم الدهر وتقوم الليل فقلت نعم، قال إنك إذا فعلت ذلك هجمت له عينك ونفهت له النفس لا صام من صام الدهر-الحديث. واحتج الجمهور على الاستحباب بما وقع في حديث حمزة بن عمرو عند مسلم أنه قال، يا رسول الله! إني أسرد الصوم أفأصوم في السفر فقال إن شئت فصم فأقره صلى الله عليه وسلم على سرد الصيام ولو كان مكروها لم يقره وأجيب عن هذا أولا بأن سؤال حمزة إنما كان عن صوم الفرض في السفر لا عن صوم الدهر كما سبق.

الصفحة 56