كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

وقيل: بحذف المعدود. وقيل: كان الظاهر أن يقال ثلاثة لأنه عبارة عن الأيام أي صيام ثلاثة أيام، ولكنهم يعتبرون في مثل ذلك الليالي والأيام داخلة معها. قال صاحب الكشاف: تقول صمت عشرا ولو قلت عشرة لخرجت من كلامهم-انتهى. (رمضان إلى رمضان) أي وصوم رمضان من كل سنة منتهيا إلى رمضان (فهذا صيام الدهر كله) أي حكما لقوله تعالى {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] وهذا إنما هو في غير رمضان، وإنما ذكر رمضان لدفع توهم دخوله في كل شهر. ومن المعلوم إن صوم رمضان فرض فلا بد منه، والمعنى إن صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر في الفضيلة واكتساب الأجر لكنه من غير تضعيف على حد {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] تعدل ثلث القرآن. وقيل: المعنى عن كل واحد من صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ومن صوم رمضان كل واحد منهما صيام الدهر. أما صيام ثلاثة أيام من كل شهر فكأنه صام الشهر، ومن صام ثلاثة أيام من شهور السنة فقد صام السنة فهذا صيام الدهر، وأما صيام رمضان إلى رمضان فيحتمل أن يكون المراد إن صيام رمضان مع ست من شوال صيام الدهر كما وقع في حديث أبي أيوب الآتي، أو يقال إن صيام رمضان من حيث كونه صوم فرض يزيد على النفل فيكون صيامه مساويا لصيام الدهر بل زايدا عليه، ويقال أنه أخبر أولا بأن صيام رمضان مع ست من شوال صيام الدهر. ثم أخبر بأن صيام رمضان فقط بدون صوم ست من شوال يساوي صيام الدهر في الأجر والثواب كذا قيل، ولا يخفى ما فيه. ووقع في رواية من حديث عبد الله ابن عمرو الآتي صم من كل شهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر. قال ابن دقيق العيد هو مأول عندهم على أنه مثل أصل صيام الدهر من غير تضعيف للحسنات، فإن ذلك التضعيف مرتب على الفعل الحسى الواقع في الخارج والحامل على هذا التأويل، إن القواعد تقتضى إن المقدر لا يكون كالمحقق، وإن الأجور تتفاوت بحسب تفاوت المصالح أو المشقة فكيف يستوي من فعل الشيء بمن قدر فعله له فلأجل ذلك قيل إن المراد أصل الفعل في التقدير لا الفعل المرتب عليه التضعيف في التحقيق-انتهى. ثم قوله "ثلاث" قيل إنه مبتدأ خبره قوله "فهذا صيام الدهر" والفاء زائدة أو ما دل عليه هذه الجملة. وقال الطيبي: أدخل الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط، وذلك إن ثلاث مبتدأ، ومن كل شهر صفة، أي صوم ثلاثة أيام يصومها الرجل من كل شهر صيام الدهر كله-انتهى. وقيل: الأولى أن يكون ثلاث خبر مبتدأ محذوف أي الأولى والأليق ثلاث من كل شهر، وقوله "فهذا" تعليل له. وذكر إلى رمضان إفادة لدوام الصوم واستمراره وإيماء إلى أن الصوم كأنه متصل مستمر دائما كما أشار إليه بقوله "فهذا صيام الدهر كله" قلت: وقع في رواية للنسائي "ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان هذا صيام الدهر كله" وهذا يؤيد كون "ثلاث" مبتدأ وكون قوله "فهذا صيام الدهر" خبرا له (صيام يوم عرفة أحتسب على الله) أي أرجو منه.

الصفحة 60