كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

وإليه ذهب ابن حزم، وهؤلاء قالوا: لا يجوز صيامها مطلقا، وإنها ليست قابلة للصوم لا للمتمتع الذي لم يجد الهدى ولا لغيره، وجعلوا هذه الأحاديث مخصصة لقوله تعالى: {ثلاثة أيام في الحج} [البقرة: 196] لأن الآية عامة فيما قبل يوم النحر وما بعده، والأحاديث المذكورة خاصة بأيام التشريق وإن كان فيها عموم بالنظر إلى الحج وغيره، فيرجح خصوصها لكونه مقصوداً بالدلالة على أنها ليست محلا للصوم، وإن ذاتها بإعتبار ما هي غير مؤهلة له كأنها منافية للصوم. وقال الطحاوي بعد أن أخرج أحاديث النهي عن ستة عشر صحابيا: فلما ثبت بهذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن صيام أيام التشريق، وكان نهيه عن ذلك بمعنى، والحاج مقيمون بها وفيهم المتمتعون والقارنون، ولم يستثن منهم متمتعا ولا قارناً دخل المتمتعون والقارنون في ذلك-انتهى. وذهب جماعة إلى جواز الصيام فيها مطلقاً، وبه قال أبوإسحاق المروزي من الشافعية والأسود بن يزيد. وحكاه ابن عبد البر في التمهيد عن بعض أهل العلم، وحكاه ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة. قال ابن قدامة (ج3ص64) بعد حكاية هذا القول عن الأسود بن يزيد وابن الزبير وأبي طلحة ما لفظه: والظاهر أن هؤلاء لم يبلغهم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها ولو بلغهم لم يعدوه إلى غيره-انتهى. وقيل: يمكن أنهم حملوا النهي على التنزيه. قال الأمير اليماني: وهو قول لا ينهض عليه دليل. وقال الشوكاني: أحاديث الباب جميعها ترد عليه. وذهب إلى منعه إلا للمتمتع الذي لم يجد الهدي ولم يصم الثلاث في أيام العشر وهو قول عائشة وابن عمر وعروة بن الزبير وإسحاق بن راهويه وعبيد بن عمير والزهري، وهو قول مالك والشافعي في القديم، وأحمد في الرواية المشهورة عنه. قال الزركشي الحنبلي: وهي التي ذهب إليها أحمد أخيراً. قال في المبهج: وهي الصحيحة وهو مختار البخاري فإنه ذكر في باب صيام أيام التشريق حديثي عائشة وابن عمر في جواز ذلك ولم يورد غيره، واستدل لهذا القول بقوله تعالى: {فصيام ثلاثة أيام في الحج} وبحديث عائشة وابن عمر الآتي وسيأتي الجواب عنه. وذهب آخرون ومنهم الأوزاعي إلى أنه يصومها المتمتع ومن تعذر عليه الهدي من المحصر والقارن لعوم الآية، ولما روى البخاري وغيره عن عائشة وابن عمر قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، فإنه أفاد أن صوم أيام التشريق جائز رخصة لمن لم يجد الهدي وكان متمتعاً أو قارناً أو محصراً لإطلاق الحديث، بناء على أن الفاعل قوله يرخص المجهول هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه مرفوع حكماً، وإن لم يضيفاه إلى عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال الحاكم أبوعبد الله في نحوه.

الصفحة 71