كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

ما أخرجه أحمد وأبوداود من حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها في يوم جمعة وهي صائمة. فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: تصومين غدا؟ قالت: لا، قال: فأفطري، والأصل في الأمر الوجوب، والرواية تدل على جواز صومه لمن اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها كمن يصوم أيام البيض، أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة أو، له عادة بصوم يوم وفطر يوم فوافق صومه يوم الجمعة. واختلف الأئمة في إفراد يوم الجمعة بالصيام فذهب ابن حزم إلى تحريمه لظواهر الأحاديث الواردة في النهي عن تخصيصه بالصوم، ونقله أبوالطيب الطبري عن أحمد وابن المنذر وبعض الشافعية وكأنه أخذه من قول ابن المنذر ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة كما ثبت عن صوم يوم العيد وزاد يوم الجمعة الأمر بفطر من أراد أفراده بالصوم، فهذا يشعر بأنه يرى بتحريمه. ونقل ابن المنذر وابن حزم منع صومه عن علي وأبي هريرة وسلمان وأبي ذر. قال ابن حزم: لا نعلم لهم مخالفاً من الصحابة. وذهب الجمهور ومنهم الشافعي وأحمد وأبويوسف وبعض الحنفية إلى أن النهي فيها للتنزيه. وقال مالك وأبوحنيفة ومحمد: بالإباحة مطلقاً من غير كراهة، ذكره العيني وابن قدامة والحافظ وابن الهمام. قال مالك: لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه، ومن يقتدي به نهي عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه. قال النووي: السنة مقدمة على ما رآه مالك وغيره، وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة فيتعين القول به، ومالك معذور. فإنه لم يبلغه، قال الداودي من أصحاب مالك: لم يبلغ مالكاً هذا الحديث ولو بلغه لم يخالفه-انتهى. قلت: ونص فروع المالكية كالشرح الكبير للدردير وغيره أنه يندب إفراد يوم الجمعة بالصوم، وبه قال عامة الحنفية. وقال بعضهم: بالكراهة كما في البدايع والنهر والبحر والدر المختار وحاشية رد المختار. قال عبد الوهاب المالكي: يوم الجمعة يوم لا يكره صومه مع غيره فلا يكره وحده، وردّ بأن هذا قياس فاسد الإعتبار لأنه منصوب في مقابلة النصوص الصحيحة. قال الحافظ والمشهور عند الشافعية وجهان أحدهما ونقله المزني عن الشافعي أنه لا يكره إلا لمن أضعفه صومه عن العبادة التي تقع فيه من الصلاة والدعاء والذكر. قلت: وإليه ذهب البيهقي والماوردي وابن الصباغ والعمراني. والثاني وهو الذي صححه المتأخرون كقول الجمهور. قلت: وبه جزم الرافعي والنووي في الروضة. وقال في شرح مسلم: أنه قال به جمهور أصحاب الشافعي وممن صححه من المالكية ابن العربي إذ قال وبكراهته بقول الشافعي وهو الصحيح. واستدل لمن قال بندبه عما سيأتي من حديث ابن مسعود، وفيه قلما كان يفطر يوم الجمعة، وبما رواه ابن أبي شيبة من حديث ابن عمر قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مفطراً يوم الجمعة قط.

الصفحة 74