كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 7)

فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبه، أو عود شجرة فليمضغه. رواه أحمد، وأبوداود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال المنذري في الترغيب: هذا النهي إنما هو عن إفراده بالصوم لما تقدم من حديث أبي هريرة، لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده، فجاز إذاً صومه. قال الطيبي: قالوا النهي عن الإفراد كما في الجمعة، والمقصود مخالفة اليهود فيهما، والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور، وما افترض يتناول المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة، وفي معناه ما وافق سنة مؤكدة كعرفة وعاشوراء أو وافق وردا، وزاد ابن الملك وعشر ذي الحجة أو في خير الصيام صيام داود، فإن المنهي عنه شدة الاهتمام والعناية به حتى كأنه يراه واجبا كما تفعله اليهود. وقال القاري: فعلى هذا يكون النهي للتحريم، وأما على غير هذا الوجه فهو للتنزيه بمجرد المشابهة (إلا لحاء عنبه) بكسر اللام بعدها حاء مهملة ممدوداً قشر الشجر، والعنبة بكسر المهملة وفتح النون هي الحبة من العنب الفاكهة المعروفة، والمراد قشر حبة واحدة من العنب (أو عود شجرة) عطف على لحاء (فليمضغه) قال في القاموس: مضغه كمنعه ونصره لاكه بأسنانه وهذا تأكيد بالإفطار لنفي الصوم، وإلا فشرط الصوم النية فإذا لم توجد لم يوجد ولو لم يأكل (رواه أحمد) (ج6ص368) (وأبو داود والترمذي) الخ. وأخرجه أيضاً النسائي في الكبرى وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم (ج1ص435) والطبراني والبيهقي (ج4ص302) وحسنه الترمذي وصححه ابن السكن وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. وقال النووي: صححه الأئمة. وقال الحافظ في بلوغ المرام: رجاله ثقات إلا أنه مضطرب، وقد أنكره مالك. وقال أبوداود: هو منسوخ-انتهى. قلت: أما الاضطراب فلأنه روى كما ذكره المصنف، وروى عن عبد الله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه عن أخته الصماء، وهذه رواية ابن حبان، وهكذا وقع في رواية لابن ماجه. قال الحافظ في التلخيص (ص200) وليست هذه بعلة قادحة فإنه أيضاً صحابي. وقيل: عنه عن أبيه بسر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: عنه عن الصماء عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال النسائي: هذا حديث مضطرب. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون عند عبد الله عن أبيه وعن أخته بواسطة، وهذه طريقة من صححه. ورجح عبد الحق الرواية الأولى وتبع في ذلك الدارقطني لكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد مع اتحاد المخرج يوهن راوية وينبئ لقلة ضبطه إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه وليس الأمر هنا كذا، بل اختلف فيه على الراوي عن عبد الله بن بسر أيضاً، وأما إنكار مالك له فإنه قال أبوداود عن مالك أنه قال هذا حديث كذب-انتهى.

الصفحة 91