كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (اسم الجزء: 9)

فقال: " لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي، فليحل وليجعلها عمرة ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحاضرة عندنا، وهكذا في المصابيح، وليست هذه الجملة في صحيح مسلم (فقال) وفي بعض النسخ ((قال)) أي بدون الفاء، قال الطيبي: هو جواب إذا، قال القاري: وفي نسخة صحيحة أي من المشكاة ((فقال)) بزيادة الفاء، وأما ما في بعض النسخ ((نادى وهو على المروة والناس تحته فقال)) فلا أصل له، وزاد في رواية لأحمد وابن الجارود بعد قوله ((قال)) ((يا أيها الناس)) (لو أني استقبلت) أي لو علمت في قبل (من أمري ما استدبرت) أي ما علمته في دبر منه، والمعنى لو ظهر لي هذا الرأي الذي رأيته الآن لأمرتكم به في أول أمري وابتداء خروجي و (لم أسُق الهدي) بضم السين، يعني لما جعلت عليَّ هديًا وأشعرته وقلدته وسقته بين يدي، فإنه إذا ساق الهدي لا يحل حتى ينحر، ولا ينحر إلا يوم النحر، فلا يصح له فسخ الحج بعمرة بخلاف من لم يسق، إذ يجوز له فسخ الحج، وهذا صريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متمتعًا. قال الخطابي: إنما قال هذا استطابة لنفوس أصحابه لئلا يجدوا في أنفسهم أنه أمرهم بخلاف ما يفعله في نفسه. وقد يستدل بهذا الحديث من يجعل التمتع أفضل (وجعلتها) أي الحجة (عمرة) يعني كنت متمتعًا من أول الأمر من غير سوق الهدي، وقال القاري: أي جعلت إحرامي بالحج مصروفًا إلى العمرة كما أمرتكم به موافقة. قال ابن القيم في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت)) إلخ: يعني أنه لو كان هذا الوقت الذي تكلم فيه هو وقت إحرامه لكان أحرم بعمرة ولم يسق الهدي، لأن الذي استدبره هو الذي فعله ومضى فصار خلفه والذي استقبله هو الذي لم يفعله بعد، بل هو أمامه، فمقتضاه أنه لو كان كذلك لأحرم بالعمرة دون هدي. وقال الزرقاني في شرحه: أي لو عن لي هذا الرأي الذي رأيته آخر وأمرتكم به في أول أمري لما سقت الهدي، أي لما جعلت عليَّ هديًا وسقته بين يدي، فإن من ساقه لا يحل حتى ينحره وإنما ينحره يوم النحر، فلا يصح له فسخ الحج بعمرة، ومن لا هدي معه يجوز له فسخه – انتهى. قال النووي: وفي الحديث دليل على جواز قول ((لو)) في التأسف على فوات أمور الدين ومصالح الشرع، وأما الحديث الصحيح في أن ((لو)) تفتح عمل الشيطان، فمحمول على التأسف على حظوظ الدنيا ونحوها وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في استعمال ((لو)) في غير حظوظ الدنيا ونحوها، فيجمع بين الأحاديث بما ذكرناه، والله أعلم (فمن كان منكم) الفاء جواب شرط محذوف، أي إذا كان الأمر ما ذكرت من أني سقت الهدي فمن كان منكم (ليس معه هدي) بإسكان الدال وكسرها وتشدد الياء مع الكسرة وتخفف مع الفتح، قاله النووي. (فليحل) بكسر الحاء، وفي رواية عند أحمد ((فليحْلل)) بسكون الحاء، أي ليصر حلالاً وليخرج من إحرامه بعد فراغه من أفعال العمرة (وليجعلها) أي الحجة (عمرة) إذ قد أبيح له ما حرم عليه بسبب الإحرام حتى يستأنف الإحرام للحج، والواو لمطلق الجمع إذ الجعل مقدم على الخروج، لأن المراد من الجعل

الصفحة 11