كتاب منهج الصحابة في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب

لتمشط رأسها فقال: أين أبو الدرداء؟ فقالت: خرج أخوك آنفاً فدخل بيته الذي فيه الصنم ومعه القدوم فأنزله، وجعل يقدده فلذاً فلذاً (¬١)، وهو يرتجز سراً من أسماء الشياطين كلها ويقول: "ألا كل ما يدعى مع الله باطل"، ثم خرج وسمعت المرأة صوت القدوم وهو يضرب ذلك الصنم فقالت: أهلكتني يا ابن رواحة، فخرج على ذلك فلم يكن شيء حتى أقبل أبو الدرداء إلى منزله فوجد المرأة قاعدة تبكي شفقاً منه، فقال: ما شأنك؟ قالت: أخوك عبد الله بن رواحة دخل عليَّ فصنع ما ترى، فغضب غضباً شديداً ثم فكر في نفسه فقال: لو كان عند هذا خير لدفع عن نفسه، فانطلق حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابن رواحة فأسلم (¬٢).
وفي تكسير صنم أبي الدرداء مشابهة لما قام به إبراهيم - عليه السلام - في قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}، وقوله تعالى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}، إلا أن أبا الدرداء - رضي الله عنه - كان أكثر عقلاً وبصيرة من قوم إبراهيم - عليه السلام - الذين عرفوا الحق وأنكروه، {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ}، يقول الشيخ أبو بكر الجزائري: "أي قلبهم الله رأساً على عقب فبعد أن عرفوا الحق ولاموا على أنفسهم عادوا إلى الجدال الباطل" (¬٣).
---------------
(¬١) الفِلْذَة بالذال المعجمة: القطعة من الشيء، والجمع فِلَذ، مثل: سِدْرَة وسِدَر، وفَلَذْت له من الشيء فَلْذاً من باب ضرب: قَطَعْتُ. (انظر: المصباح المنير، الفيومي، كتاب الفاء، ص ٢٤٩).
(¬٢) انظر: المستدرك على الصحيحين، الحاكم، كتاب معرفة الصحابة، رقم ٥٥٣٢، ٤/ ٥٢.
(¬٣) أيسر التفاسير، أبو بكر الجزائري، ٣/ ٤٢٤.

الصفحة 73