كتاب منهج الصحابة في دعوة المشركين من غير أهل الكتاب
الثغر: "أما بعد فأسلم تسلم، أو اعتقد لنفسك الذمة وأقرر بالجزية وإلا فلا تلومن إلا نفسك فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة" (¬١)،
وكأن لسان حال خالد بن الوليد - رضي الله عنه - وجيشه يطبق الآية في سورة المائدة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (¬٢).
ففي قوله تعالى: {وَيُحِبُّونَهُ} يقول ابن عاشور: "إن محبة العبد ربه انفعال النفس نحو تعظيمه والأنس بذكره وامتثال أمره والدفاع عن دينه" (¬٣)، وكان ذلك في خالد بن الوليد وجيشه - رضي الله عنهم - وهي محبة الشهادة في سبيل الله والفوز بلقائه سبحانه. وقوله تعالى: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} "أي يظهرون الغلظة والترفع على الكافرين" (¬٤)، ويقول ابن كثير: "أي متعززاً على خصمه وعدوه" (¬٥)، ومثلها قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (¬٦)، وقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (¬٧). يقول الشيخ السعدي في قوله تعالى: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}: "أعزة قد اجتمعت هممهم
---------------
(¬١) تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ٢/ ٣٠٩ ..
(¬٢) سورة المائدة، الآية: ٥٤.
(¬٣) التحرير والتنوير، ابن عاشور، المجلد الثالث، الجزء السادس، ص ٢٣٦.
(¬٤) التفسير الكبير، الرازي، المجلد السادس، الجزء الثاني عشر، ص ٢١.
(¬٥) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/ ٢٦٠.
(¬٦) سورة التوبة، الآية: ٧٣.
(¬٧) سورة الفتح، الآية: ٢٩.