كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (اسم الجزء: المقدمة)

بأنه بطر الحق وغمط الناس، فإن الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، كما في قوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ «1» ، وكما في الحديث «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد» «2» بل أخبر بأن التواضع لعباد الله سبب للرفعة وعلو الرتبة عند الله وعند الناس وقال «حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه» «3» . فهذه إشارة إلى كمال الشريعة وإلى ما اشتملت عليه من الخصال الحميدة والأخلاق والآداب الرفيعة التي تسمو بمن تخلّق بها إلى أرفع المنازل وما حذرت منه هذه الشريعة من الأخلاق الدنيئة الذميمة، التي تدنس الأعراض وتوقع في العار والشنار، ولقد أكثر العلماء قديما وحديثا من الكتابة حول خصال الإيمان والدين التي تجب أو تستحب، وسموها آدابا شرعية وخصالا دينية، وأدخلوا في ذلك العادات القديمة التي أقرها الإسلام أو أثنى على فعلها كالجود والكرم والصدق والوفاء والبر والصلة والسلام والتحية والتراحم والتعاطف والتزاور ونحوها، وقد توسع في ذلك ابن عقيل الحنبلى في كتابه المسمى بالفنون، حيث جمع فيه ما أدركه من فنون العلم بجميع أنواعه ولكنه لم يوجد كاملا، وقد ألف الكثير من الأئمة في الأخلاق والآداب، وشعب الإيمان، وهكذا كتبوا في الخصال المذمومة وكبائر الذنوب وأنواع المعاصي والمحرمات، وكل من ألف في ذلك فإنما كتب ما يناسبه ولكل مجتهد نصيب. ولا شك أن شريعة الإسلام قد تضمنت كل ما تمس إليه الحاجة البشرية، وأن جميع الخصال التي تهدف إليها يعرف عند التأمل ملاءمتها ومناسبتها، ولذلك يحتاج إلى الاستقصاء في جمع أنواع العبادة، وما ورد الأمر به من القربات، وما نهى عنه مما يخالف أهداف تلك الخصال، وذكر أدلتها من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة، مع ذكر معانيها ونتائجها مما يفيد المسلم وطالب الحق علما وسعة اطلاع.
هذا وقد اطلعت على مقدمة هذه الموسوعة الكبيرة التي احتوت على ما أمكن جمعه من أنواع القربات وأسماء العبادات، وأسماء ما يضادها وما ينهى عنه، وأعجبت كثيرا حيث استوعبت ما أمكن إيراده من خصال الخير والأخلاق والقربات، وكل ما ورد له ذكر في الشريعة من تلك الأسماء التي استعملها الرسول صلّى الله عليه وسلّم بوحي من ربه، وبين المراد بها وفائدتها وأثرها، وحيث رتبت على الحروف ترتيبا محكما لا خلل فيه ولا خطأ، وبدأ بالتعريف لكل خصلة بذكر معناها اللغوي والشرعي، وبيان ما يدخل فيها شرعا وما تتضمنه، ثم بذكر الآيات التي وردت فيها لفظا أو معنى، وكذا ذكر الأحاديث المرفوعة مع تخريجها بدقة واستيفاء، مع ذكر مواضع تلك الأدلة ومراجعها، وهكذا ذكر الآثار الواردة في مدح تلك الخصلة وفائدة العمل بها أو تركها ومضرة المخالفة فيها وما إلى ذلك مما يجده القارئ في هذه الموسوعة، ولا شك أنه جهد كبير وعمل واسع، يستدعي بذل الوسع، والحرص على الاستقصاء، ولذلك استغرق الجمع والبذل والكتابة فيها وقتا طويلا رغم توافر الجهود، وكثرة الباحثين، حتى أنتجوا هذا العمل المشكور الذي يرجى نفعه إن شاء الله للمبتدئ والمحتذي، والراعي والرعية، والفرد والمجتمع، حيث يجد الطالب فيها بغيته، ويعثر على مطلبه بأيسر الوسائل وفي أسرع وقت، فيستفيد في نفسه ويتزود من العلم النافع ما يكون زادا له في دار الدنيا ويوم
__________
(1) سورة الحجرات: آية 13.
(2) رواه مسلم في الجنة باب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار عن عياض بن حمار المجاشعي.
(3) رواه أبو داود في الأدب باب في كراهة الرفعة في الأمور عن أنس.

الصفحة 51