كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (اسم الجزء: 2-11)

الإخبات
الإخبات لغة:
الإخبات مصدر أخبت، وتدلّ مادّة (خ ب ت) في الأصل على المفازة لا نبات فيها أو على المطمئنّ من الأرض، وأخبت الرّجل: قصد الخبت أو نزله، نحو أسهل (نزل السّهل) وأنجد (دخل في نجد) ثمّ استعمل الإخبات استعمال اللّين والتّواضع، والخشوع لله والاطمئنان إليه، يقال: أخبت إلى ربّه أي اطمأنّ إليه «1» .
قال الفرّاء في قوله تعالى: وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ (هود/ 23) أي تخشّعوا لربّهم، قال: والعرب تجعل (إلى) في موضع اللّام. وفيه خبتة أي تواضع» .
قال الثّوريّ- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى:
وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (الحج/ 34) قال: المطمئنّين الرّاضين بقضاء الله المستسلمين له. قال الله تعالى الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (الحج/ 35) «3» .
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
3/ 1/ 10
وبه فسّر ابن عبّاس- رضي الله عنهما- وقتادة لفظ «المخبتين» وقالا: هم المتواضعون.
وقال مجاهد: المخبت المطمئنّ إلى الله عزّ وجلّ. قال:
والخبت: المكان المطمئنّ من الأرض، وقال الأخفش:
الخائفون، وقال الكلبيّ: هم الرّقيقة قلوبهم.
وهذه الأقوال تدور على معنيين: التّواضع، والسّكون إلى الله- عزّ وجلّ-، ولذلك عدّي بإلى، تضمينا لمعنى الطّمأنينة، والإنابة والسّكون إلى الله «4» .
واصطلاحا:
هو الخضوع والتّذلّل لله- عزّ وجلّ- مع المحبّة والتّعظيم له «5» .
قال ابن القيّم- رحمه الله-:
والإخبات من أوّل مقامات الطّمأنينة.
كالسّكينة، واليقين، والثّقة بالله ونحوها. فالإخبات:
مقدّمتها ومبدؤها. وبه يكون ورود المأمن من الرّجوع والتّردّد.
إذ لمّا كان «الإخبات» أوّل مقام يتخلّص فيه
__________
(1) المقاييس (2/ 38) ، ومفردات الراغب (104) .
(2) النهاية لابن الأثير (2/ 4) ، الصحاح للجوهري. (1/ 247) ، ولسان العرب لابن منظور (2/ 27، 28) .
(3) انظر: تفسير ابن كثير (3/ 222) .
(4) مدارج السالكين لابن القيم (2/ 6) .
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.

الصفحة 118