كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (اسم الجزء: 2-11)
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الاتباع)
34-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: اتّخذ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خاتما من ذهب فاتّخذ النّاس خواتيم من ذهب فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي اتّخذت خاتما من ذهب» فنبذه، وقال: «إنّي لن ألبسه أبدا» فنبذ النّاس خواتيمهم) * «1» .
35-* (عن المسور بن مخرمة ومروان- رضي الله عنهما- يصدّق كلّ منهما حديث صاحبه قالا:
خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمن الحديبية حتّى إذا كانوا ببعض الطّريق، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خالد بن الوليد بالغميم «2» في خيل لقريش طليعة «3» ، فخذوا ذات اليمين» . فو الله ما شعر بهم خالد حتّى إذا هم بقترة الجيش «4» ، فانطلق يركض نذيرا لقريش، وسار النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان بالثّنيّة «5» الّتي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال النّاس: حل حل «6» .
فألحّت «7» ، فقالوا خلأت «8» القصواء، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل «9» » . ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» ، ثمّ زجرها فوثبت. قال:
فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمد «10» قليل الماء يتبرّضه «11» النّاس تبرّضا، فلم يلبّثه النّاس حتّى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العطش؛ فانتزع سهما من كنانته، ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالرّيّ حتّى صدروا عنه. فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعيّ في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة «12» نصح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل تهامة، فقال: «إنّي تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل «13» ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت» .
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نجىء لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدّة ويخلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهر؛ فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا «14» ، وإن هم أبوا؛ فوالّذي نفسي
__________
(1) البخاري- الفتح 13 (7298) .
(2) الغميم: هو مكان بين رابغ والجحفة، وقيل موضع بين مكة والمدينة.
(3) الطليعة: مقدمة الجيش.
(4) قترة الجيش: ما يثيره من الغبار أو هي الغبار الأسود.
(5) الثنية: طريق في الجبل تشرف على الحديبية.
(6) حل حل: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير.
(7) ألحّت: أي تمادت على عدم القيام، وهو من الإلحاح.
(8) خلأت: الخلاء للناقة كالحران للخيل.
(9) حابس الفيل أي حبسها الله- عز وجل- كما حبس الفيل عن مكة.
(10) ثمد قليل الماء: أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل.
(11) يتبرضه: هو الأخذ قليلا قليلا.
(12) عيبة نصح: العيبة هي ما توضع به الثياب لحفظها، أي أنهم موضع النصح له والأمانة لسره.
(13) العوذ المطافيل: العوذ هي الناقة ذات اللبن، والمطافيل الأمهات اللاتي معها أطفالها.
(14) جمّوا: أي استراحوا.
الصفحة 29
5730