كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (اسم الجزء: 2-11)
كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النّظر تعظيما له، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته. فلمّا أشرف على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا فلان، وهو من قوم يعظّمون البدن، فابعثوها له» . فبعثت له، واستقبله النّاس يلبّون. فلمّا رأى ذلك قال:
سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت. فلمّا رجع إلى أصحابه، قال: رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت، فما أرى أن يصدّوا عن البيت. فقام رجل منهم، يقال له مكرز بن حفص، فقال: دعوني آته.
فقالوا: ائته. فلمّا أشرف عليهم قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هذا مكرز، وهو رجل فاجر» . فجعل يكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
فبينما هو يكلّمه إذ جاء سهيل بن عمرو. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد سهل لكم من أمركم» . فجاء سهيل ابن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا. فدعا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكاتب، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*. فقال سهيل: أمّا «الرّحمن» فوالله ما أدري ما هي؟ ولكن اكتب «باسمك اللهمّ» ، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اكتب: باسمك اللهمّ» . ثمّ قال: «هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» . فقال سهيل: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب:
«محمّد بن عبد الله» ، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني، اكتب: محمّد بن عبد الله» ، وذلك لقوله: «لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» . فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«على أن تخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف به» . فقال سهيل: والله لا تتحدّث العرب أنّا أخذنا ضغطة»
، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب. فقال سهيل:
وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجل وإن كان على دينك إلّا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله، كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك، إذ دخل أبو جندل ابن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده «2» ، وقد خرج من أسفل مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمّد أوّل من أقاضيك عليه أن تردّه إليّ. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّا لم نقض الكتاب بعد» . قال: فو الله إذا لم أصالحك على شيء أبدا. قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فأجزه لي» ، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: «بلى فافعل» قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز:
بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما؟. ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذّب عذابا شديدا في الله. قال:
فقال عمر بن الخطّاب: فأتيت نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت:
ألست نبيّ الله حقّا؟. قال: «بلى» قلت: ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟. قال: «بلى» . قلت:
فلم نعطي الدّنيّة «3» في ديننا إذا؟. قال: «إنّي رسول
__________
(1) أخذنا ضغطة: أي قهرّا وعنوة.
(2) يوسف في قيوده: أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد.
(3) نعطي الدنية في ديننا: أي لماذا نرضى بالنقص؟.
الصفحة 31
5730