كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (اسم الجزء: 2-11)
الهجر
الهجر لغة:
مصدر قولهم: هجر الشّيء يهجره، وهو مأخوذ من مادّة (هـ ج ر) الّتي تدلّ على القطيعة «1» ، ومن هذا: الهجر ضدّ الوصل وكذلك الهجران، وهاجر القوم من دار إلى دار، تركوا الأولى للثّانية كما فعل المهاجرون حين هاجروا من مكّة إلى المدينة، وتهجّر الرّجل وتمهجر: أي تشبّه بالمهاجرين، ومن الباب الهجر بمعنى الهذيان، والهجر أيضا الإفحاش في المنطق والخنا.
ورماه بالهاجرات، وهي الفضائح، وسمّي هذا كلّه (هجرا) لأنّه من المهجور الّذي لا خير فيه «2» وأهجرت بالرّجل: استهزأت به. وقلت فيه قولا قبيحا.
وقال ابن منظور: يقال: هجره يهجره هجرا وهجرانا: صرمه. وهما يهتجران ويتهاجران والاسم الهجرة: والتّهاجر: التّقاطع. وهجر الشّيء وأهجره:
تركه. والهجر: الاسم من الإهجار. يقال هجر المريض يهجر هجرا بالضّمّ فهو هاجر والكلام مهجور. قال أبو عبيد: يروى عن إبراهيم النّخعيّ ما يثبت هذا القول في قوله تعالى ... إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (الفرقان/ 30) . قال: قالوا فيه غير الحقّ. ألم تر إلى المريض إذا هجر قال غير الحقّ، وعن مجاهد نحوه. والهجر: الكلام المهجور لقبحه.
وفي الحديث: «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا» . وأهجر فلان: إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد. وهجر المريض: إذا أتى بذلك من غير قصد «3» .
وقال ابن الأثير: وفي الحديث «لا هجرة بعد ثلاث» يريد به الهجر ضدّ الوصل، يعني فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة، أو تقصير يقع في حدود العشرة والصّحبة، دون ما كان من ذلك في جانب الدّين، فإنّ هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مرّ الأوقات ما لم تظهر منهم التّوبة، والرّجوع إلى الحقّ، ومن ذلك أيضا ما جاء في الحديث لا يذكر الله إلّا هجرا، يريد التّرك له والإعراض عنه، يقال:
هجرت الشّيء إذا تركته وأغفلته، أمّا ما رواه ابن قتيبة من قوله صلى الله عليه وسلّم «ولا يسمعوا القول إلّا هجرا» (بالضّمّ) فالمراد الخنا، والقبيح من القول، وقول الله تعالى:
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ (النساء/ 34) أي في
__________
(1) لهذه المادة معنى آخر هو شد الشىء وربطه. انظر المقاييس (6/ 34) .
(2) المرجع السابق (6/ 35) .
(3) لسان العرب لابن منظور (5/ 250- 252) .
الصفحة 5681
5730