كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (اسم الجزء: 2-11)
أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم اللّتان قال الله- عزّ وجلّ- لهما: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (التحريم/ 4) قال عمر:
وا عجبا لك يا ابن عبّاس (قال الزّهريّ: كره، والله ما سأله عنه ولم يكتمه) قال: هي حفصة وعائشة، ثمّ أخذ يسوق الحديث. قال: كنّا معشر قريش قوما نغلب النّساء. فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم. قال: وكان منزلي في بني أميّة بن زيد بالعوالي «1» . فتغضّبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني. فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل. فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ فقالت: نعم.
فقلت: أتهجره إحداكنّ اليوم إلى اللّيل؟ قالت: نعم.
قلت: قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسر. أفتأمن إحداكنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلّم فإذا هي قد هلكت؟ لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا تسأليه شيئا، وسليني ما بدا لك، ولا يغرّنّك أن كانت جارتك «2» هي أوسم «3» وأحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم منك (يريد عائشة) . قال: وكان لي جار من الأنصار. فكنّا نتناوب النّزول «4» إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فينزل يوما وأنزل يوما، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه بمثل ذلك، وكنّا نتحدّث أنّ غسّان تنعل الخيل «5» لتغزونا. فنزل صاحبي، ثمّ أتاني عشاء فضرب بابي، ثمّ ناداني، فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم. قلت: ماذا؟
أجاءت غسّان؟ قال: لا. بل أعظم من ذلك وأطول.
طلّق النّبيّ صلى الله عليه وسلّم نساءه. فقلت: قد خابت حفصة وخسرت. قد كنت أظنّ هذا كائنا. حتّى إذا صلّيت الصّبح شددت عليّ ثيابي. ثمّ نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت: أطلّقكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟
فقالت: لا أدري. ها هو ذا معتزل في هذه المشربة.
فأتيت غلاما له أسود فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ. فقال: قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتّى انتهيت إلى المنبر فجلست. فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم. فجلست قليلا ثمّ غلبني ما أجد، ثمّ أتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ فقال:
قد ذكرتك له فصمت. فولّيت مدبرا. فإذا الغلام يدعوني. فقال: ادخل فقد أذن لك. فدخلت فسلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فإذا هو متّكىء على رمل حصير «6» .
قد أثّر في جنبه. فقلت: أطلّقت، يا رسول الله نساءك؟
فرفع رأسه إليّ وقال: «لا» فقلت: الله أكبر. لو رأيتنا يا رسول الله وكنّا معشر قريش قوما نغلب النّساء، فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم، فتغضّبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني. فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن
__________
(1) بالعوالي: موضع قريب من المدينة.
(2) جارتك: أي ضرتك.
(3) أوسم: أي أحسن وأجمل. والوسامة الجمال.
(4) فكنا نتناوب النزول: يعني من العوالي الى مهبط الوحي. والتناوب أن تفعل الشيء مرة، ويفعل الآخر مرة أخرى.
(5) تنعل الخيل: أي يجعلون لخيولهم نعالا لغزونا. يعني يتهيأون لقتالنا.
(6) على رمل حصير: هو بفتح الراء وإسكان الميم. وفي غير هذه الرواية: رمال، بكسر الراء. يقال: رملت الحصير وأرملته، إذا نسجته.
الصفحة 5687
5730