كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (اسم الجزء: 2-11)
الوهن اصطلاحا:
قال الفيروز اباديّ: الوهن (والوهن) : الضّعف في العمل «1» .
وقيل: الضّعف في الخلق والخلق «2» .
وقال القرطبيّ: الوهن انكسار الجدّ بالخوف «3» ، وقال في تفسير قوله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا (آل عمران/ 139) أي لا تضعفوا ولا تجبنوا يا أصحاب محمّد عن جهاد أعدائكم لما أصابكم «4» ويؤخذ من ذلك أنّ: الوهن: هو الضّعف والجبن عن جهاد الأعداء عند ما ينزل بالمؤمن نازلة من أعدائه.
الوهن داء يأخذ بالأمم والأفراد:
الوهن بمعنى الضّعف الخلقيّ أمر طبعيّ لا يتعلّق به مدح أو ذمّ إلّا إذا تسبّب فيه الإنسان كأن يتناول ما يضعف قوّته ويسلبه القدرة على العمل وهو فى هذه الحالة يدخل في إطار الأمور المذمومة لأنّه إلقاء للنّفس إلى التّهلكة ودخول تحت ما يسلب عنه الخيريّة وحبّ الله تعالى لما ورد من أنّ المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف.
وأما الوهن الخلقيّ المصحوب بالتّخاذل والخوف من لقاء الأعداء والجبن عن منازلتهم فهو منهيّ عنه بنصّ الآية الكريمة: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران/ 139) ، وقد أخبر المولى- عزّ وجلّ- عن الأتباع الحقيقيّين للرّسل الّذين جاهدوا معهم فأصابوا وأصيبوا، فلم يفتّ في عضدهم ما أصابهم في سبيل الله وما لحقهم وهن ولا ضعف ولا استكانة، وهكذا ينبغي أن يكون شأن المؤمنين في كلّ زمان ومكان. قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (آل عمران/ 146) ، وقد نهانا المولى عزّ وجلّ- عن الوهن في قتال الأعداء مهما كان الألم الّذي أصابنا في جهادهم.
قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَمَا اسْتَكانُوا (آل عمران/ 146) : تخشّعوا.
وقال قتادة والرّبيع بن أنس- رحمهما الله-: وَمَا اسْتَكانُوا فما ارتدّوا عن نصرتهم ولا عن دينهم أن قاتلوا ما قاتل عليه نبيّ الله حتّى لحقوا به «5» . وقال مقاتل: وَمَا اسْتَكانُوا وما استسلموا وما خضعوا لعدوّهم «6» . وقال أبو العالية: وَمَا اسْتَكانُوا أي لما أصابهم في الجهاد، والاستكانة: الذّلّة والخضوع «7» .
وعن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في قوله تعالى: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (المؤمنون/ 76) : أي: لم يتواضعوا في الدّعاء، ولم يخضعوا، ولو خضعوا لله لاستجاب لهم «8» .
__________
(1) بصائر ذوي التمييز (5/ 287) .
(2) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(3) تفسير القرطبي (4/ 230) .
(4) المصدر السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) تفسير ابن كثير (1/ 410) .
(6) تفسير البغوي (1/ 117) .
(7) تفسير القرطبي (4/ 230) .
(8) أورده السيوطي في الدر المنثور (5/ 26) ، وعزاه للعسكري في المواعظ.
الصفحة 5715
5730