كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (اسم الجزء: 2-11)
مُحْسِنِينَ المعنى- كما ورد عن ابن عبّاس: كانوا محسنين في أعمالهم «1» .
من هذا يتّضح الارتباط الكامل والعلاقة الجوهريّة بين الإحسان بمعانيه كافّة والحسنة في كلّ استخداماتها في القرآن الكريم «2» . فإذا كان الإحسان شجرة فالحسنة ثمرته، ولمّا كانت الشّجرة طيّبة كانت ثمرتها حلوة المذاق حسنة المنظر في الدّنيا والآخرة «3» .
منزلة الإحسان:
قال ابن القيّم- رحمه الله-: الإحسان من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وهذه المنزلة هي لبّ الإيمان وروحه وكماله، وهي جامعة لما عداها من المنازل، فجميعها منطوية فيها، وممّا يشهد لهذه المنزلة قوله تعالى:
هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (الرحمن/ 60) ، إذ الإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق، وهو أن تعبد الله كأنّك تراه، والإحسان الأوّل في الآية الكريمة هو- كما قال ابن عبّاس والمفسرون- هو قول لا إله إلّا الله، والإحسان الثّاني هو الجنّة، والمعنى: هل جزاء من قال لا إله إلّا الله وعمل بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم إلّا الجنّة، وقد روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قرأ الآية الكريمة ثمّ قال: «هل تدرون ماذا قال ربّكم؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:
«هل جزاء من أنعمت عليه بالتّوحيد إلّا الجنّة» وفي هذا الحديث إشارة إلى كمال الحضور مع الله عزّ وجلّ، ومراقبته، ومحبّته، ومعرفته، والإنابة إليه، والإخلاص له ولجميع مقامات الإيمان.
بين الإحسان والإنعام:
الإحسان أعمّ من الإنعام أو التفضّل على الغير لأنّه يشمل الإحسان إلى النّفس كما يشمل الإحسان في النّيّة والفعل.
بين الإحسان والعدل:
وفيما يتعلّق بالعدل فإنّ الإحسان فوقه لأنّه إذا كان العدل يعني أن يأخذ الإنسان ما له ويعطي ما عليه، فإنّ الإحسان يعني أن يأخذ الإنسان أقلّ ممّا له وأن يعطي أكثر ممّا عليه، فالإحسان بذلك زائد على العدل، وإذا كان تحرّي العدل من الواجبات فإنّ تحرّي الإحسان ندب وتطوّع، وكلاهما مأمور به في قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (النحل/ 90) . ففي هذه الآية الكريمة إشارة إلى الفضل مع العدل، فالعدالة لابدّ منها لضبط الأمور وإنصاف بعضهم من بعض، وعند ما سأل عمر بن عبد العزيز محمّد بن كعب القرظيّ- رحمهما الله- قائلا: صف لي العدل، قال:
بخ، سألت عن أمر جسيم، كن لصغير النّاس أبا، ولكبيرهم ابنا، وللمثل أخا، وللنّساء كذلك! وعاقب النّاس على قدر ذنوبهم، ولا تضر بنّ في غضبك سوطا واحدا فتكون من العادين. ذاك وصف العدل. أمّا الفضل فله سيرة أخرى لعلّ أقربها ما جاء عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: «ألا أدلّك على أكرم أخلاق الدّنيا والآخرة؟ أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وذاك هو الإحسان» «4» .
__________
(1) تفسير القرطبي (17/ 35) .
(2) اقتبسنا معاني الحسنة من نزهة الأعين النواظر (259- 260) .
(3) مدارج السالكين (2/ 479) بتصرف يسير.
(4) المحاور الخمسة (192) .
الصفحة 72
5730