كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (اسم الجزء: 2-11)
أن تكونا حمّلتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: حمّلناها أمرا هي له مطيقة، ما فيها كبير فضل. قال: انظرا أن تكونا حمّلتما الأرض ما لا تطيق. قالا: لا. فقال عمر: لئن سلّمني الله لأدعنّ أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا. قال: فما أتت عليه إلّا رابعة حتّى أصيب. قال: إنّي لقائم ما بيني وبينه إلّا عبد الله بن عبّاس غداة أصيب- وكان إذا مرّ بين الصّفين قال:
استووا، حتّى إذا لم ير فيهم خللا تقدّم فكبّر، وربّما قرأ سورة يوسف أو النّحل ذلك في الرّكعة الأولى حتّى يجتمع النّاس- فما هو إلّا أن كبّر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني- الكلب، حين طعنه «1» فطار العلج «2» بسكّين ذات طرفين، لا يمرّ على أحد يمينا ولا شمالا إلّا طعنه، حتّى طعن ثلاثة عشر رجلا. مات منهم سبعة. فلمّا رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلمّا ظنّ العلج أنّه مأخوذ نحر نفسه. وتناول عمر يد عبد الرّحمن بن عوف فقدّمه، فمن يلي عمر فقد رأى الّذي أرى، وأمّا نواحي المسجد فإنّهم لا يدرون غير أنّهم فقدوا صوت عمر وهم يقولون: سبحان الله.
فصلّى بهم عبد الرّحمن بن عوف صلاة خفيفة، فلمّا انصرفوا قال: يا ابن عبّاس، انظر من قتلني، فجال ساعة، ثمّ جاء فقال: غلام المغيرة. قال: الصّنع؟ قال:
نعم. قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفا، الحمد لله الّذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدّعي الإسلام. قد كنت أنت وأبوك تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العبّاس أكثرهم رقيقا. فقال: إن شئت فعلت- أي إن شئت قتلنا. قال: كذبت، بعد ما تكلّموا بلسانكم وصلّوا قبلتكم، وحجّوا حجّكم؟ فاحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأنّ النّاس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ. فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه ... الأثر. وفيه: وقال (عمر- رضي الله عنه-) :
أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأوّلين، أن يعرف لهم حقّهم. ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا. الّذين تبوّءوا الدّار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، فإنّهم ردء الإسلام» .
وجباة المال وغيظ العدوّ، وأن لا يوخذ منهم إلّا فضلهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنّهم أصل العرب، ومادّة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي «4» أموالهم، ويردّ على فقرائهم، وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وأن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلّفوا إلّا طاقتهم!) * «5» .
5-* (عن عليّ بن عمرو قال: «نزل عبيد الله ابن العبّاس بن عبد المطّلب منزلا منصرفه من الشّام نحو الحجاز، فطلب غلمانه طعاما، فلم يجدوا في ذلك المنزل ما يكفيهم؛ لأنّه كان مرّ به زياد بن أبي سفيان أو عبيد الله بن زياد في جمع عظيم، فأتوا على ما فيه، فقال عبيد الله لوكيله: اذهب في هذه البرّيّة «6» ، فلعلّك أن تجد راعيا، أو تجد أخبية «7» فيها لبن أو
__________
(1) طعنه: أي أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.
(2) العلج: الرجل من كفار العجم وغيرهم.
(3) ردء الإسلام: أي عون الإسلام الذي يدفع عنه.
(4) حواشي أموالهم: أي التي ليست بخيار.
(5) البخاري- الفتح 7 (3700) .
(6) البرّيّة: الصحراء.
(7) أخبية: جمع خباء وهو البيت من الوبر أو الشعر أو الصوف يكون على عمودين أو ثلاثة.
الصفحة 89
5730