كتاب العرش وما روي فيه - محققا

ثم ذكر سعة كرسيه منبها به على سعته - سبحانه- وعظمته وعلوه، وذلك توطئة بين يدي علوه وعظمته، ثم أخبر عن كمال اقتداره وحفظه للعالم العلوي والسفلي من غير اكتراث، ولا مشقة، ولا تعب"1.
وأما الأحاديث والآثار الواردة في الكرسي فهي كثيرة جدا، وقد أورد ابن أبي شيبة بعضا منها، فنكتفي بما أورده2.
وقد تعددت الأقوال واختلفت في الكرسي كما تعددت واختلفت من قبل في العرش. والأقوال في الكرسي هي:
القول الأول:
أن المراد بالكرسي: العلم.
وهذا القول هو قول الجهمية3، فقد أولوا الكرسي بمعنى العلم، كما أولوا العرش بمعنى الملك، وكل ذلك فرارا منهم عن إثبات علو الله واستوائه على عرشه، وقد استدلوا بما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} قال: كرسيه علمه4.
__________
1 انظر: "مختصر الصواعق": (1/ 288) .
2 انظر الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب تحت رقم 45، 46، 58، 59، 61، 88.
3 انظر: "التنبيه والرد": ص 104، و"الكشاف": (1/ 385، 386) ، "مجموع الفتاوى": (5/ 60) ، و"الرد على بشر المريسي": ص 71، و"تفسير روح المعاني": (3/ 10) .
4 أخرجه الطبري في "تفسيره": (3/ 9) ، وعبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب السنة": (2/ 167) ، وابن منده في "الرد على الجهمية": ص 45، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 497.
وأورده ابن كثير في "تفسيره": (1/ 309) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم. وجميعهم من طريق مطرف عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه، وهو حديث غير صحيح. وقال الدارمي: "هو من رواية جعفر الأحمر، وليس جعفر ممن يعتمد على روايته إذ قد خالفه الرواة المتقنون".
وقال ابن منده: "لم يتابع عليه جعفر، وليس هو بالقوي في سعيد بن جبير".

الصفحة 106