كتاب العرش وما روي فيه - محققا

استولى- كما يزعم هؤلاء- لكان استعماله في أكثر موارده، كذلك، فإذا جاء في موضع أو موضعين بلفظ استوى حمل على معنى استولى لأنه المألوف المعهود.
أما أن يأتي إلى لفظ قد اطرد استعماله في جميع موارده على معنى واحد فيدعى صرفه في الجميع إلى معنى لم يعهد استعماله فيه، فهذا أمر في غاية الفساد، ولم يقصده ويفعله من قصد البيان، هذا لو لم يكن في السياق ما يأبى حمله على غير معناه الذي اطرد استعماله فيه، فكيف وفي السياق ما يأتي ذلك1.
ثانيا: ومما يرد هذا التأويل الباطل أن كلمة استوى قد جاءت بعد "ثم" التي حقيقتها الترتيب والمهملة، فلو كان المعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض، فإن العرش كان موجودا قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف عام كما ثبت في "صحيح مسلم" عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء" 2.
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} .
__________
1 انظر: "مختصر الصواعق المرسلة": (2/ 128، 129) .
2 تقدم تخريجه ص 60. يأتي

الصفحة 163