كتاب العرش وما روي فيه - محققا

مُتَخَلِّصٌ مِنْ خلقه، بائن منه1.
عِلْمُهُ فِي خَلْقِهِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ عِلْمِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْعَرْشَ كان قبل خلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى الماء، وأخبرنا عز وجل أَنَّهُ صَارَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ وَمِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْعَرْشِ فَاسْتَوَى على العرش2، قال عز جَلَّ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى
__________
1 لفظة "بائن" لم تكن معروفة على عهد الصحابة- رضوان الله عليهم- ولم يتلفظوا بها في أقوالهم عند الكلام على مسألة العلو، وقد كان السبب في استعمال السلف لها هو ابتداع الجهمية لقولهم بأن الله بذاته في كل مكان، فاقتضت ضرورة البيان والإيضاح أن يتلفظ أئمة السلف بهذه اللفظة، وقد تتابع استعمالها منهم دون أن ينكر أحد منهم ذلك.
2 تعبير المؤلف بكلمة "صار" قد يفهم منه أن الله قبل استوائه على العرش كان شيء من المخلوقات فوقه، والمؤلف لا يقصد هذا المعنى ولكن لو كان تعبيره بما ورد كلفظة "استوى" لكان أولى.
وخلاصة مذهب السلف في هذه المسألة أن الله لم يزل ولا يزال عاليا على مخلوقاته، وصعوده سبحانه وتعالى وارتفاعه إلى السماء إنما هو من جنس نزوله إلى السماء الدنيا، فإذا كان سبحانه وتعالى في نزوله لم يصر شيء من المخلوقات فوقه، فهو- سبحانه- يصعد إلى السماء وإن لم يكن منها شيء فوقه، واستواءه- سبحانه وتعالى- على العرش بعد أن خلق السموات والأرض في ستة أيام إنما هذا الاستواء هو:- علو خاص-، ذلك لأن من المعلوم أن كل مستو على شيء هو عال عليه، وليس كل عال على شيء مستويا عليه، ولهذا لا يقال لكل ما كان عاليا على غيره أنه مستو عليه، ولكن كل ما قيل فيه: إنه استوى على غيره، فإنه عال عليه.
والذي أخبر الله أنه كان بعد خلق السموات والأرض "الاستواء" لا مطلق العلو، مع أنه يجوز أنه كان مستويا على العرش قبل خلق السموات والأرض لما كان عرشه على الماء، ثم لما خلق هذا العالم كان عاليا عليه ولم يكن مستويا عليه، وبعد الانتهاء من خلق هذا العالم استوى على العرش.
فالأصل أن علوه على المخلوقات وصف لازم له، كما أن عظمته وكبرياءه وقدرته كذلك، وأما الاستواء فهو فعل يفعله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته، ولهذا قال فيها {ثُمَّ اسْتَوَى} ومن أجل ذلك كان الاستواء من الصفات السمعية المعلومة بالخبر، وأما علوه على المخلوقات فهو عند أئمة أهل الإثبات من الصفات العقلية المعلومة بالعقل مع السمع.
انظر: "الفتاوى": (5/ 521- 523) بتصرف.

الصفحة 286