كتاب العرش وما روي فيه - محققا

عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} قَالَ: كَانَ عَرْشُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جَنَّةً ثُمَّ اتَّخَذَ دُونَهَا أُخْرَى، ثُمَّ أَطْبَقَهُمَا بِلُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَالَ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} 1 وَهِيَ الَّتِي لَا يَعْلَمُ الْخَلَائِقُ مَا فِيهِمَا، وَهِيَ الَّتِي قَالَ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} 2 تَأْتِيهِمْ3 مِنْهَا أَوْ مِنْهُمَا كُلَّ يَوْمٍ تَحِيَّةٌ4"5.
__________
1 سورة الرحمن، الآية: 62.
2 سورة السجدة، الآية: 17.
3 في "الأصل": "تأتيها"، والصواب: "تأتيهم" كما جاء في "تفسير" ابن جرير و" المستدرك" للحاكم.
4 في المصادر الأخرى: "تحفة" بدل: "تحية".
5 أخرجه ابن جرير في "تفسيره": (21/ 105) ، والحاكم في "مستدركه": (2/ 475) ، وأبو الشيخ في "العظمة": (ق 35/أ) ، وابن بطة في "الإبانة": (ق 195/ ب) ، والبيهقي في "البعث": (ق 46/ 1) مصورة الجامعة برقم 504 بنحوه.
جميعهم من طريق إسحاق بن سليمان الرازي.
وقد جاء في سند الحديث هنا "إسحاق بن سليمان نا عنبسة بن سعيد عن ابن أبي ليلى وعمرو بن قيس عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس".
وعند ابن جرير، وابن بطة: ثنا إسحاق بن سليمان قال ثنا عمرو بن أبي قيس عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو به.
وعند الحاكم والبيهقي: ثنا إسحاق بن سليمان الرازي ثنا عنبسة بن سعيد وعمرو بن أبي قيس وغيره عن المنهال بن عمرو به، فأسقط الحاكم والبيهقي ابن أبي ليلى من إسنادهما ولم يبد لي وجه الصواب من هذا الخلاف.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. ولكن ابن أبي ليلى صدوق سيء الحفظ، وإذا كان سند الحاكم والبيهقي سالما من السقط ففيه متابعة من عمرو بن أبي قيس له.
التعليق:
الشاهد من إيراد هذا الأثر هنا هو معرفة مكان الجنة بالنسبة إلى عرش الرحمن، والذي دل عليه هذا الأثر ودلت عليه الأحاديث الصحيحة أن عرش الرحمن- تبارك وتعالى- هو سقف الجنة.
فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن".
فالخبر يصرح بأن عرش الرحمن- عز وجل- فوق جنته- تبارك وتعالى- وأما الجنتان اللتان جاء ذكرهما في الخبر فهما دون الجنتين الأخريين، وقد جاء ذكرها جميعا في سورة الرحمن قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} الآيات: 46- 77.
وقد جاء وصف هذه الجنة في حديث أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى وجه ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"، "فتح الباري": (13/423) "كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .

الصفحة 311