كتاب العرش وما روي فيه - محققا

عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ1 وَهُشَيْمٌ2 يَقُولُ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ نُسَمِّيهِ وَكِيعَ بْنَ عُدُسٍ3 عنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ4 قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: "كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ"5.
__________
1 هو وكيع بن عدس (بمهملات وضم أوله وثانيه وقد يفتح ثانيه) ويقال: بالحاء بدل العين، أبو مصعب العقيلي، (بفتح العين) الطائفي.
روى عن عمه أبي رزين العقيلي، وعنه يعلى بن عطاء العامري، مقبول من الرابعة. أخرج له الجماعة.
"تهذيب التهذيب": (11/ 131) ، "تقريب التهذيب": ص 369.
2 هو هشيم بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي أبو معاوية.
"تقريب التهذيب": ص 36.
3 وقع خلاف في اسم والد وكيع: هل هو بالعين أم بالحاء، قال الترمذي في "سننه "، كتاب التفسير، تفسير سورة هود (5/288) : "روى حماد بن سلمة وكيع بن حدس، ويقول شعبة وأبو عوانة وهشيم وكيع بن عدس وهو أصح".
4 هو لقيط بن عامر بن المنتفق أبو رزين العقيلي وافد بني المنتفق، روى عنه ابن أخيه وكيع بن عدس وغيره، كذا في "الإصابة".
وقال في "التقريب ": لقيط بن صبرة (بفتح المهملة وكسر الموحدة) صحابي مشهور، ويقال: إنه جده، واسم أبيه عامر وهو أبو رزين العقيلي، والأكثر أنهما اثنان.
"الإصابة": (3/ 330) ، "تقريب التهذيب": ص 287.
5 أخرجه الترمذي في "سننه"، كتاب التفسير، باب سورة هود: (5/288، حديث 3109) ، وابن ماجه في "سننه"، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية: (1/ 64) ، والإمام أحمد في "مسنده": (4/ 11، 12) ، وأبو الشيخ في "كتاب العظمة": (ق 14/ ب) ، وابن أبي عاصم في "السنة": (1/ 271) ، وابن بطة في "الإبانة": (ق 195/ أ) من طريق المؤلف، وابن جرير الطبري في "تفسيره": (12/ 4) ، وفي "تاريخه": (1/ 19) .
كلهم من طريق حماد بن سلمة به.
قال الترمذي: حديث حسن، والحديث أورده الذهبي في "العلو" وحسن إسناده.
وقال الألباني: في تصحيحه نظر، فإن مداره على وكيع بن حدس، ويقال: "عدس" وهو مجهول، لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء، ولذلك قال المؤلف في "الميزان": لا يعرف. انظر: "مختصر العلو": ص 186.
وقال في "ظلال الجنة" (1/ 271) : "إسناده ضعيف، وكيع بن عدس، ويقال حدس، وهو مجهول، لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء، ولا وثقه غير ابن حبان".
التعليق:
ورد في الحديث السؤال عن الله تعالى بأين عند قول أبي رزين "أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه"، والمعلوم أن مذهب عامة أهل السنة وسلف الأمة وأئمتها أنهم يرون إثبات السؤال عن الله تعالى بأين ولا ينفون ذلك عنه مطلقا، وذلك لثبوت النصوص الصريحة الصحيحة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك سؤالا وجوابا.
ومن ذلك حديث أبي رزين الذي معنا، وأيضا ما ثبت في "صحيح مسلم": (2/ 70- 71) ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال للجارية: "أين الله؟ "، قالت: في السماء.
والسلف يقولون إن من نفى السؤال بأين لا بد له من دليل يستدل به على انتفاء ذلك، ولا دليل لهم، ذلك لأنها مسألة أثبتها الشرع فمن أنكرها فإنما ينكر على المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد خالف السلف في قولهم هذا الجهمية والمعتزلة ومتأخرو الأشاعرة، الذين يزعمون أنه لا يجوز السؤال عن الله تعالى بأين، لأن في ذلك سؤالا عن المكان، وهم يزعمون أن الله ليس في مكان، لأن المكان لا يكون إلا للجسم، والله ليس بجسم، لأن الجسم لا يكون إلا محدثا ممكنا.
ويظهر توضيح هذا المذهب في قول ابن الأثير فيا النهاية": "ولا بد في قوله "أين كان ربنا؟ " من تقدير مضاف محذوف كما حدث في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} ونحوه، فيكون التقدير أين كان عرش ربنا، ويدل عليه قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} .
فقول ابن الأثير: "إنه لا بد من تقدير مضاف محذوف" الذي دفعه إليه هو اعتقاد بأنه لا يجوز السؤال عن الله تعالى بأين، لأنه يترتب على ذلك إثبات الجهة والمكان إلى الله تعالى، وهي، منفية عنه كما هو مذهب الأشاعرة المتأخرين الذين يعد ابن الأثير واحدا منهم.
ومما يجدر ذكره أن ما هرب إليه ابن الأثير من تقدير المضاف لا ينجيه مما هرب منه، لأنه إذا أثبت الجهة لعرشه سبحانه وتعالى ثبتت له- أيضا- لكونه مستويا عليه.
والأمر الآخر الذي دل عليه حديث ابن رزين هذا هو الإخبار عن خلق العرش، ولفظ الحديث فيه دلالة على أن بدء خلق العرش كان على الماء، وأن العرش سابق في الخلق على السموات والأرض، وفي ذلك رد على زعم الفلاسفة القائلين بأن العرش هو الخالق الصانع أو أنه لم يزل مع الله تعالى.
انظر: "الاستقامة لابن تيمية": (1/ 126- 127) .

الصفحة 314