كتاب العرش وما روي فيه - محققا

8- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ1، قَالَ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ2 يَقُولُ: وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: "الْعَمَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السَّحَابُ الْأَبْيَضُ الْمَمْدُودُ، وَأَمَّا العمى المقصور قالبصر، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَعْنَى هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ قَدِيرُ الْعَمَاءِ فِي مَبْلَغِهِ وَكَيْفَ كَانَ"3.
__________
1 هو عبد الله بن مروان بن معاوية الفزاري من أهل الكوفة.
ثقة مستقيم الحديث، روى عن أبيه والكوفيين.
"الثقات" لابن حبان: (8/ 350) ، "تاريخ بغداد": (10/ 151، 152) .
2 هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع أبو سعيد الباهلي الأصمعي البصري، اللغوي، الأخباري، أحد الأعلام.
صدوق، سني، مات سنة ست عشرة ومائتين، وقيل غير ذلك، وقد قارب التسعين.
أخرج له مسلم مقرونا، وأبو داود، والترمذي.
انظر: "تهذيب التهذيب": (6/415) ، "تقريب التهذيب": ص. 220، "طبقات النحويين": ص 167، "سير أعلام النبلاء": (10/ 175) .
3 ذكر هذا المعنى عن الأصمعي أبو الشيخ في "كتاب العظمة": (ق 15/1) . وأورده الدشتي في كتاب الحد من طريق ابن بطة عن أبي بكر بن سليمان
عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة به: (ق 15/ ب) .
التعليق:
اختلف في لفظة "عماء" من حيث الشكل ومن حيث المعنى المراد به.
قالأصمعي وأبو عبيد القاسم بن سلام والأزهري وغيرهم يرون أن لفظة "عماء" وهي من حيث الشكل بالمد وليست بالقصر، وأن معناها المراد في الحديث هو السحاب الأبيض، لأن هذا هو معنى الكلمة في كلام العرب المعقول عنهم، ومما يشهد لذلك قول الحارث بن حلزة اليشكري:
وكأن المنون تردي بنا أعصـ ... ـم جون ينجاب عنه العماء
ومعنى البيت: أن الشاعر يقول هو في ارتفاعه، قد بلغ السحاب ينشق عنه ويقول: نحن في عزنا مثل الأعصم، فالمنون إذا أرادتنا فكأنما تريد أعصم. وقال الأزهري: "ولا يدرى كيف ذلك العماء بصفة تحصره ولا نعت يحده، ويقوي هذا القول قول الله- جل وعز-: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَام} [سورة البقرة، الآية: 215] .
فالغمام معروف في كلام العرب، إلا أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله - عز وجل- يوم القيامة في ظلل منه، فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته، وكذلك سائر صفات الله عز وجل".
"تهذيب اللغة": (3/ 246) .
وهذا القول ليس فيه دليل على قول الفلاسفة الدهرية القائلين بقدم العالم، وأن مادة السموات والأرض ليست مبتدعة، وذلك أن الله- سبحانه- أخبرنا في كتابه بابتداء الخلق الذي يعيده، وأخبر بخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام في غير موضع، وجاءت بذلك الأحاديث الكثيرة، وأخبر- أيضا- أنه يغير هذه المخلوقات.
ويرى يزيد بن هارون وأقره على ذاك الترمذي: أن لفظة عماء هي من حيث الشكل بالمد، ولكن معناها في هذا الحديث هو: أي ليس مع الله شيء، وعلى هذا يكون معنى الحديث: أن الله تعالى كان ولم يكن شيء معه، ويشهد لهذا المعنى ما جاء في حديث عمران من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان الله ولم يكن شيء معه".
وهناك رأي ثالث في المسألة يخالف القولين الأولين في الشكل والمعنى، فمن حيث اللفظ يرى أنه بالقصر وليس بالمد، وعلى هذا يكون المعنى أنه كان حيث لا تدركه عقول بني آدم، ولا يبلغ كنهه وصف، وذلك لأن كل أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عمى.
انظر: "غريب الحديث" لابن عبيد: (2/8، 9) ، "تهذيب اللغة": (3/ 246) ، "نقض تأسيس الجهمية": (1/ 591) .

الصفحة 317