كتاب العرش وما روي فيه - محققا

رُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ،، ثُمَّ فَوْقَ ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ [بَيْنَ] 1 أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ"2.
__________
1 ما بين قوسين غير موجود في "الأصل"، وقد أثبته لوروده في المصادر التي روت الحديث.
2 أخرجه من هذا الطريق- أي من طريق الوليد بن أبي ثور عن سماك بن حرب-: ابن ماجه في "سننه"، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية: (1/ 69) ، والإمام أحمد في "مسنده": (1/ 257) ، وأبو داود في "سننه"، كتاب السنة، باب في الجهمية: (5/ 93، حديث 4723) ، والدارمي في "الرد على بشر المريسي": ص 448، والآجري في "الشريعة": ص 292، واللالكائي في "السنة": (3/ 390) ، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب" اهـ.
والوليد بن أبي ثور متكلم فيه، قال العقيلي: "يحدث عن سماك بمناكير لا يتابع عليها". "التهذيب": (11/137- 138) ، وهو ضعيف، ولكنه توبع، فإن الحديث قد رواه عن سماك جماعة منهم عمرو بن أبي قيس، انظر حديثه في "سنن الترمذي"، كتاب التفسير، باب سورة الحاقة: (5/ 424، 425، حديث 3320) ، وأبو داود في "سننه"، كتاب السنة، باب في الجهمية: (5/94، حديث 4724) ، وابن أبي عاصم في "السنة": (1/253) ، وابن خزيمة في "كتاب التوحيد": ص 101، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة": (3/389) ، وابن منده في "التوحيد": (1/117) .
وعند الجميع التصريح بأن بعد ما بين السماء والأرض "إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة"، وعمرو بن أبي قيس صدوق له أوهام.
ورواه عن سماك شعيب بن خالد وسيأتي تخريج حديثه في الحديث التالي، ولكن في التصريح بأن بعد ما بين السماء والأر ض مسيرة خمسمائة عام.
ورواه عن سماك- أيضا- إبراهيم بن طهمان، انظر حديثه في "مشيخته": ص 70، و"سنن أبو داود": (5/ 94) ، و"الشريعة" للآجري: ص 292، ورواه عنه آخرون- أيضا-.
ولكن في الحديث علة أخرى، وهي أن مدار الحديث من جميع طرقه على "عبد الله بن عميرة"، وعبد الله فيه جهالة، لذلك. قال الألباني في "تخريج السنة": (1/ 254) : "إسناده ضعيف، وعبد الله بن عميرة، قال الذهبي: فيه جهالة، وقال البخاري: لا نعلم له سماعا من الأحنف بن قيس" اهـ.
ولكن الجوزقاني صرح في "الأباطيل": (1/ 79) بصحة الحديث، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى": (3/192) حيث قال: "إن هذا الحديث قد رواه إمام الأئمة ابن خزيمة في كتاب التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بما نقله العدل عن العدل موصولا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والإثبات مقدم على النفي، والبخاري إنما نفى معرفة سماعه من الأحنف، ولم ينف معرفة الناس بهذا، فإذا عرف غيره كإمام الأئمة ابن خزيمة ما ثبت به الإسناد، كانت معرفته وإثباته مقدما على نفي غيره وعدم معرفته" اهـ.
وكذلك مال تلميذه ابن القيم إلى تصحيحه، انظر: "تهذيب التهذيب": (7/ 92، 93) .
التعليق:
حديث الأوعال هذا وحديث الأعرابي الذي سيأتي بعده قد أوردهما عامة من جمعوا أحاديث الصفات من السلف إن لم يكن جميعهم، وهم في إيرادهم لهذه الأحاديث وأمثالها مما في إسنادها مقال، إنما يوردونها من باب التأكيد لا من باب التأييد، وذلك لكون تلك الصفات التي جاء ذكرها في هذه الأحاديث قد ورد فيها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة ما يدل على ثبوتها من غير حاجة إلى الاستدلال بما دونها من الأحاديث التي في إسنادها مقال.
وحديث الأوعال هذا مع ما فيه من الغرابة وما في إسناده من مقال إلا أن فيه من الدلالة على علو الله وارتفاعه فوق عرشه مما يوافق ما جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة، فقد جاء في الحديث الكلام على السموات السبع وارتفاعها فوق بعضها البعض ووجود فاصل بين كل سماء والسماء التي تليها، وأن فوق السماء السابعة بحرا وفوقه حملة العرش الذين يحملون عرش الرحمن تبارك وتعالى، وأن الله فوق عرشه، مستو عليه، عال على خلقه.
وكل هذه الأمور قد جاء في القرآن والسنة الصحيحة ما يدل عليها ويشهد لها، فوصف السموات بهذا الوصف هو ما دل عليه قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} [سورة الملك، الآية: 3] .
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: "أي بعضها فوق بعض": (29/ 2) .
وهو أيضا ما دلت عليه السنة، فما جاء في قصة الإسراء والمعراج من صعود النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سماء إلى سماء، واستفتاح جبريل له عند كل سماء، ولقائه لبعض الأنبياء في كل سماء دليل على أن هناك فاصلا بين كل سماء والتي تليها، وفي هذا تأكيد لما جاء في الحديث الذي معنا.
وكذلك- أيضا- ما جاء في الحديث، عند قوله: "ثم فوق السابعة بحر بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء" فلعل المراد بهذا البحر الماء الذي جاء ذكره في قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ومما يؤيد ذلك أن العرش كان محمولا عليه قبل خلق السموات والأرض، وبعد خلقهما أصبحت الملائكة تحمله.
كما دل على ذلك القرآن، وأيضا- ما جاء في السنة، ومنها هذا الحديث الذي ورد فيه: "ثم فوق ذلك ثمانية أملاك"، وإن كان الخلاف واقعا في أمر عدد الملائكة الذين يحملون العرش في هذه الحياة الدنيا هل هم أربعة أم ثمانية، وقد تقدم عرض ذلك في قسم الدراسة.
وأما ما جاء في الحديث من وصف الملائكة الذين يحملون العرش بأنهم على صورة الأوعال، فهذا لم أقف فيه على نص ثابت يبين هيئة هؤلاء. فعلى ذلك ليس لنا إلا التوقف في هذه المسألة لعدم ورود النص الثابت فيها.
وأما قوله: "والله تعالى فوق ذلك" فهذا هو الشاهد من الحديث وهو الحق الذي دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهو مذهب السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم- رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

الصفحة 322