كتاب العرش وما روي فيه - محققا

صُرَّةُ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْفِرْدَوْسِ لَيَسْمَعُونَ أَطِيطَ1 الْعَرْشِ" 2.
__________
1 الأطيط: نقيض صوت المحامل والرحال إذا ثقل عليها الركبان، وأط الرحل والنسع يئط أطا وأطيطا: صوت، وكذلك كل شيء أشبه صوت الرحل الجديد. "لسان العرب": (1/ 92) ، مادة: أطط.
2 أخرجه ابن بطة في "الإبانة": "ق (195/ ب) ، والحاكم في "المستدرك": (2/ 371) ، والطبراني في "المعجم الكبير": ص 7966.
كلهم عن طريق إسرائيل عن جعفر بن الزبير به.
وإسناده ضعيف، لأن فيه جعفر بن الزبير وهو متروك الحديث.
والحديث أورده السيوطي في "الدر المنثور"، تفسير سورة الكهف: (4/ 254) من طريق عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والحاكم وصححه.
التعليق:
على الرغم من ضعف الحديث من حيث إسناده إلا أن ما جاء فيه من قوله: "سلوا الله جنة الفردوس فإنها صرة الجنة" له شاهد من حديث أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة".
واسم الفردوس: قد يطلق ويراد به جميع الجنة، وقد يطلق" ويراد به أفضل الجنة وأعلاها، كما في هذا الحديث، وكأنه بهذا المعنى أحق وأصوب، قال تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة المؤمنون، الآيات: 10- 11] ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} [سورة الكهف، الآية: 1. 10] .
والفردوس في اللغة: البستان، قال الفراء: أصل اللفظ عربي، وقال مجاهد: هو البستان بالرومية، واختاره الزجاج، وقال ابن سيده: "الفردوس الوادي الخصيب عند العرب، وهو بلسان الروم البستان".
وقال الزجاج: "وحقيقة الفردوس: هو البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين".
وأما ما جاء في وصف الفردوس من كونه "وسط الجنة وأعلى الجنة". فالحافظ ابن حجر يقول: "المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل: كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا} [سورة البقرة، الآية: 143] ، فعلى هذا عطف الأعلى عليه للتأكيد..
وقال الطيبي: "المراد بأحدهما العلو الحسي وبالآخر العلو المعنوي.
وقال ابن حبان: "المراد بالأوسط السعة وبالأعلى الفوقية ... ".
والصواب أن تفسير الأوسط على المعنى المعنوي لا المكاني لا يساعد عليه ظاهر النص، ذلك أن ظاهر النص ينص على أن الفردوس هو وسط الجنة وأعلاها بمعنى أن الفردوس هو ربوة الجنة وأن الجنان الأخرى عن جوانبه، ومن تحته، وهو أعلاها، قال قتادة: "الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأعلاها وأفضلها وأرفعها".
ويدل على ذلك قوله في الحديث: "وفوقه عرش الرحمن"، فليس فوق الفردوس إلا عرش الرحمن سبحانه وتعالى، كما يدل عليه- أيضا- قوله: "ومنه تفجر أنهار الجنة"، لأن الأنهار عادة تنبع من الأعلى. والله أعلم. وهذه الصفة أي: كون وسط الشيء أعلاه- لا تتصور إلا في المقبب، فإن أعلى القبة هو أوسطها، فالجنة والله أعلم تكون كذلك.
انظر: "فتح الباري": (6/ 13) ، "حادي الأرواح": ص 74، 75، "لسان العرب": (2/ 1069) ، "النهاية" لابن كثير: (2/ 233) .
وقوله: "وإن أهل الفردوس ليسمعون أطيط العرش" فهذه الجملة هي الشاهد من سياق الحديث، وهي دالة على كون عرش الرحمن سقف الجنة، وأنه هو أعلى المخلوقات، وهذا دل عليه حديث البخاري.
وأما مسألة الأطيط كما سبق أن ذكرنا فإنه لم يثبت في المسألة نص صحيح، والله أعلم.

الصفحة 335