- رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِمِثْلِ هَذَا فِي الْجَاهِليَّةِ؟ " قَالُ: كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، أَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ رَبَّنَا- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذَا قَضَى فِي السَّمَاءِ أَمْرًا، سَبَّحَتْهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَتْهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَ حملة الْعَرْشَ، ثُمَّ سَبَّحَتْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّسْبِيحُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَقُولُ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ، فَيُخْبِرُونَهُمْ، ثُمَّ يَسْتَخْبِرُ أَهْلُ السماء أهل السموات بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَخْطَفُ الْجِنُّ السمع، فما جاؤا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُمْ يفْرقُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ" 1.
__________
1 أخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان: (14/ 225) ، والترمذي في "سننه"، كتاب التفسير، باب سورة سبأ: (5/ 362، حديث 2324) ، والإمام أحمد في "مسنده": (1/218) ، والدارمي في "الرد على الجهمية": ص 78، وابن منده في "التوحيد": (ق 16/ ب) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 264، 265، والطحاوي في "المشكل": (3/ 113) ، وأبو نعيم في "الحلية": (3/ 143)
كلهم بإسنادهم عن الزهري عن علي بن الحسين به، وبألفاظ متقاربة.
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
وسند المؤلف من جهة مليح فيه ضعف، لجهالة مليح بن وكيع، ولكنه توبع، وسنده عن إسحاق بن موسى جيد ورجاله ثقات.
التعليق:
الحديث متضمن لعدة أمور:
الأمر الأول: هو موطن الشاهد هنا حيث إن الحديث قد دل على علو الله وارتفاعه فوق عرشه وبينونته من خلقه تبارك وتعالى، وهو سبحانه مع هذا الاستواء على العرش لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وإذا أراد قضاء أي أمر أوحى إلى ملائكته، فيكون أولهم سماعا لكلامه حملة العرش الذين يسبحون تعظيما وإجلالا لكلام رب العالمين، ثم يتتالى تسبيح الملائكة حتى يصل تسبيحهم إلى ملائكة السماء الدنيا فيسبحون لتسبيح من فوقهم، ومن ثم يستخبر الملائكة بعضها بعضا عن كلام الله وما قضاه.
وفي هذا النزول والصعود وكون حملة العرش هم أول من يسمع كلام الله، وأنهم يخبرون من بعدهم بأمر الله من أبلغ الأدلة على علو الله وارتفاعه على عرشه، وأنه بائن من خلقه غير مختلط بهم، ورد على الجهمية الذين يزعمون أن الله بذاته في كل مكان، ولو كان الأمر كما يزعمون لكان الملائكة جميعا متساوين في السماع لكلام الله.
الأمر الثاني: في قوله: "إذا قضى أمرا سبحته حملة العرش" فكون حملة العرش هم أول من يسمع كلام الله وما قضاه في شأن الخلق وأول الملائكة تسبيحا لكلامه- دليل على أن العرش الذي يحمله هؤلاء الملائكة هو أقرب المخلوقات إليه، ومن ثم يليه في القرب حملة العرش الذين يسمعون كلام الله فيبلغونه لمن دونهم من الملائكة.
الأمر الثالث: ما دل عليه الحديث من إثبات صفة الكلام لله تعالى عند قوله: "ماذا قال ربكم" ففي هذا دليل على أن الله يتكلم بما شاء متى شاء وأن كلامه- سبحانه وتعالى- مسموع تسمعه الملائكة، وهذا هو مذهب السلف في مسألة الكلام خلافا للجهمية وغيرهم.