لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أُعْتِقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، فَإِنْ قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ" 1.
__________
1 أخرجه أبو داود في "سننه"، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح: (5/ 310، حديث 5067) .
وأبو بكر بن السني في "عمل اليوم والليلة": ص 268.
كلاهما من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك بن عبد الرحمن بن عبد المجيد أو عبد الحميد عن هشام بن الغاز عن مكحول عن أنس بن مالك به مرفوعا بنحوه.
وجاء عند أبي داود وابن السني بلفظ: "ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار، ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار، ومن قالها أربعا أعتقه الله من النار".
وقد روي الحديث من وجه آخر.
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد": ص 176، والترمذي في وسننه"، كتاب الدعوات: (5/527، حديث 3501) ، وقال، هذا حديث غريب، والنسائي في "عمل اليوم والليلة": ص 138.
جميعهم عن بقية بن الوليد عن مسلم بن زياد مولى ميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أنس بن مالك به، بنحوه. إلا أنه جاء في رواية الترمذي في آخره بلفظ: "إلا غفر له ما أصاب في يومه ذلك، وإن قالها حين يمسي غفر الله له ما أصاب في تلك الليلة من ذنب" بدل قوله: "أعتق الله ربعه من النار ... " الخ.
في سند المؤلف عبد الرحمن بن عبد المجيد أو عبد الحميد، فإن كان هو عبد الرحمن عن عبد المجيد فهو مجهول، ولكنه قد توبع، وإن كان المقصود به عبد الرحمن بن عبد الحميد فالحديث إسناده حسن.
وقد جود النووي إسناده في "أذكاره": ص 74، وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأبكار" فقال: "حسن غريب".
التعليق:
الشاهد من إيراد الحديث هنا هو ما جاء عند قوله: "وحملة عرشك"، وحملة العرش قد ورد ذكرهم في القرآن، في موضعين.
أحدهما: في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} .
والثاني: في قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} .
وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار التي جاء فيها ذكر حملة العرش، وقد أورد المصنف هنا تسعة عشر دليلا ما بين حديث وأثر، دلت جميعها على أن لله ملائكة قد اختصهم بحمل عرشه في هذه الحياة الدنيا ويوم القيامة، كما ذكر فيها بعض صفاتهم ووعددهم ووظائفهم.
ومراد المصنف- رحمه الله تعالى- من إيراد هذه الأدلة الرد على زعم الجهمية الذين ينكرون أن يكون العرش حقيقة ويؤولونه بمعنى الملك وبالتالي ينكرون أن يكون له حملة يحملونه، ولذلك يقول بعضهم: إن المراد بالثمانية في قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} هي السموات السبع والأرض.
فكأن المصنف يريد أن يقول: هذه نصوص القرآن والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وتفاسيرهم تدل دلالة قاطعة على أن العرش حقيقة، وأنه مخلوق عظيم خلقه الله، وخص بعض الملائكة بحمله فهم يحملونه حملا حقيقيا بقدرة الله وإرادته، فمن أين جئتم أيها الجهمية بهذا الزعم الباطل الذي لا دليل عليه، بل إن نصوص القرآن والسنة ترده وتبطله.
والحديث الذي نحن بصدد التعليق عليه هو من الأحاديث الدالة على فضل لا إله إلا الله وعظم أجرها وجزيل ثوابها عند الله، وقد ورد في فضل لا إله إلا الله الكثير من الأحاديث، وهذه الأحاديث بمجموعها يمكن تقسيمها إلى قسمين:
الأول: أحاديث ورد فيها أن من أتى بالشهادتين أدخل الجنة ولم يحجب عنها، ومن هذه الأحاديث ما جاء في "صحيح مسلم": (1/42) عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- أنه قال عند موته: سمعت رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل".
وهذا النوع من الأحاديث معناه ظاهر، فإن النار لا يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص، وإن عذب بعضهم على قدر ذنبه في النار ثم يخرج منها ويدخل الجنة، لأن عاقبة أهل التوحيد الذين خلصوا من الشرك هي دخول الجنة والخلود فيها.
وأما القسم الثاني من هذه الأحاديث فهي التي ورد فيها التحريم على النار لمن قال لا إله إلا الله.
ومن هذا القسم الحديث الذي معنا، ومن ذلك أيضا ما أخرجه البخاري ومسلم في "الصحيحين" عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار".
وهذا القسم ليس عاما كالقسم الأول الذي شمل أهل التوحيد جميعهم، بل هو خاص بطائفة معينة من أهل التوحيد، وهم الذين قالوا هذه الكلمة بإخلاص ويقين، وخلصوا من الشرك واجتنبوا: كبائر الذنوب، وماتوا على الإخلاص، ولم يصروا على ذنب أصلا، فهؤلاء هم المستحقون للتحريم على النار لاجتنابهم ما يوجب دخولها، وأما صغائر الذنوب التي لا يسلمون منها فإن اجتنابهم للكبائر يكفرها كما قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [سورة النساء، الآية: 31] .
وعلى هذا التفسير لهذه الأحاديث الواردة في فضل لا إله إلا الله لا يكون هناك تعارض بينها وبين أحاديث أخرى جاء فيها أن هناك طائفة ممن يقولون لا إله إلا الله يدخلون النار بسبب ذنوبهم ثم يخرجون منها، لأن كل قسم من هذه الأحاديث يخص طائفة معينة.
فالأحاديث التي دلت على دخول الجنة هي عامة لأهل التوحيد بشرط خلوصهم من الشرك، وليس في هذه الأحاديث ما يمنع دخول بعضهم النار ثم يخرجون منها، فهي على هذا دالة على تحريم الخلود لا على تحريم الدخول.
وأما أحاديث التحريم على النار فهي خاصة لطائفة معينة وهي التي اتصفت بالصفات التي سبق ذكرها.
وأما الأحاديث التي دلت على دخول النار ثم الخروج منها فهي لمن ارتكب ذنبا يوجب دخول النار والتعذيب فيها على قدر ذلك الذنب ثم يخرج منها ويدخل الجنة ويخلد فيها والله أعلم.