كتاب العرش وما روي فيه - محققا

عَنْهُمَا- قَالَ: "حَمَلَةُ الْعَرْشِ مَا بَيْنَ كَعْبِ أحَدِهِمْ إِلَى أَسْفَلِ قَدَمَيْهِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَزَعَمُوا أَنَّ خُطْوَةَ مَلَكِ الْمَوْتِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ"1.
__________
1 أخرجه أبو الشيخ في "العظمة": (ق 82/ ب) مختصرا عن علي بن رستم عن عبد الله بن عمر الزهري.
وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفادت": ص 505، بسنده عن محمد بن إسحاق.
وكلاهما عن كثير بن هشام به.
وأورده السيوطي في "الحبائك": ص 49، من طريق عبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي في "الأسماء والصفات".
وهو موقوف، ورجال إسناده ثقات، وفي جعفر بن برقان كلام، قال فيه الحافظ: صدوق، يهم في حديث الزهري، والذي معنا ليس من حديث الزهري.
التعليق:
جاء وصف حملة العرش في كثير من الأحاديث والآثار بعظم الخلق في الهيئة والقوة وكبر الحجم، ولا غرابة في ذلك فهم يحملون أعظم المخلوقات وأكبرها على الإطلاق ألا وهو العرش، الذي يعتبر هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيهما عنده كحجم الحلقة الملقاة بالصحراء الواسعة، فما دام هذه صفة العرش، فما بالك بصفة من يحمله فهم- لابد- وأن يكونوا على هيئة تناسب ذلك المحمول العظيم الذي هو العرش.
وإن من أصح ما ورد في وصف الملائكة الذين يحملون العرش ما جاء في حديث جابر- رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش: ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام".
وهم مع هذه الصفات ما كانوا يستطيعون حمل العرش لولا أن الله سبحانه وتعالى أقدرهم على حمله، فالعرش محمول بعظمته وقدرته، وكونه جعل له حملة إنما هو لحكمة الله أعلم بها.
وأما ملك الموت الذي ورد ذكره في الأثر عند قول ابن عباس: "وزعموا أن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب"، فقد جاء ذكره في القرآن الكريم، قال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [سورة السجدة، الآية: 11] .
وأيضا ورد ذكره في السنة الصحيحة، فقد جاء في "صحيح البخاري": (6/ 440، حديث 3407) عن أبي هريرة- رضي الله عنه- مرفوعا وموقوفا قال: "أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ... " الحديث.
وورد ذكره- أيضا- بشيء من التفصيل عن وظيفته في حديث البراء بن عازب الطويل الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده": (4/287، 295) من طريق الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان عنه مرفوعا، وفيه: "أن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ومعهم كفن من كفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت- عليه السلام-. حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان.." الحديث.
ولم يرد التصريح باسمه في الأحاديث الصحيحة، وإنما ورد في بعض الآثار تسميته بعزرائيل وهذا هو المشهور.
وكون ملك الموت شخصا معينا يتولى قبض الأنفس لا يتعارض مع ما جاء في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [سورة الأنعام، الآية: 61] ، ولا مع قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [سورة الزمر، الآية: 42] .
وأما بيان عدم تعارض ذلك مع الآية الأولى فقد روي في الحديث أن المراد بالرسل هم أعوانه الذين ينتزعون الأرواح من سائر الأجساد، حتى إذا بلغت الحلقوم تناولها ملك الموت.
وأما الآية الثانية فمعناها أنه لما كان ذلك القبض للروح الذي فعله ملك الموت هو من أمر الله وقضائه وقدره وحكمته صحت إضافة التوفي إليه. والإيمان بملك الموت داخل ضمن الركن الثاني من أركان الإيمان ألا وهو الإيمان بالملائكة، لكونه واحدا منهم، وقد ذكر ابن بطة في "الشرح والإبانة": ص 222- أثناء تعداده لما يجب الإيمان به- الإيمان بملك الموت فقال: "ثم الإيمان بملك الموت عليه السلام وأنه يقبض الأرواح، ثم ترد في الأجساد في القبور".
وهو يتصف بصفات من القدرة والسلطان وعظم الخلق وغيرها من الصفات التي جعلته قادرا على قبض أرواح كثيرة في أماكن مختلفة بعيدة الأطراف في لحظة واحدة. انظر: "تفسير ابن كثير": (3/458) ، و"البداية والنهاية": (1/ 47) ، و"شرح العقيدة الطحاوية": ص. 440، و"التذكرة" للقرطبي: (1/ 88) ، و"تفسير القرطبي": (14/ 94) .

الصفحة 372