كتاب العرش وما روي فيه - محققا

دُونَهُ فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ، يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، مَلَكٌ فِي صُورَةِ رَجُلٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ ثَوْرٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ أَسَدٍ، وَمَلَكٌ فِي صُورَةِ نَسْرٍ1.
__________
1 أخرجه ابن خزيمة في "كتاب التوحيد": ص 198، والآجري في "الشريعة": ص 494، وعبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب السنة": ص 35، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 557- 558.
وجميعهم من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد الله بن أبي سلمة به، بنحوه.
وقد جاء عندهم بلفظ: "روضة خضراء، دونه فراش من ذهب، على كرسي من ذهب".
إسناده ضعيف. قال البيهقي: هذا حديث تفرد به محمد بن إسحاق بن يسار، وقد مضى الكلام في ضعف ما يرويه إذا لم يبين سماعه فيه، وفي هذه الرواية انقطاع بين ابن عباس- رضي الله عنهما- وبين الراوي عنه، وليس بشيء من هذه الألفاظ في الروايات الصحيحة عن ابن عباس- رضي الله عنهما-.
وقال حامد الفقي في تعليقه على "كتاب السنة" ص 495: الزيادة في كيفية الرؤية زيادة غريبة، ولو كان بإسناد له قيمة لساقها الحافظ ابن حجر فيما رواه في مسألة ابن عمر لابن عباس فيما نقلت عنه، والآية في سورة الحاقة {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} ، تكذب هذه الزيادة.
التعليق:
هذه المسألة: "مسألة رؤية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لربه- عز وجل- في الدنيا من المسائل الخلافية بين أهل السنة والجماعة، والخلاف فيها قد وقع بين الصحابة أنفسهم.
فقد روي إثباتها عن ابن عباس- رضي الله عنهما- وسائر أصحابه وعن أبي ذر وأبي هريرة في رواية عنه، وعن كعب الأحبار وعروة بن الزبير.
وروي نفيها عن: عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في أحد قوليه.
وقد انقسم العلماء بعد ذلك إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: أثبتت الرؤية البصرية، ومن هؤلاء ابن خزيمة وقد أطنب في الاستدلال لها.
الطائفة الثانية: توقفت بحجة أنه ليس في الباب دليل قطعي، وأن غاية ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل، ولأنها من المسائل الاعتقادية التي لا بد فيها من الدليل القطعي، وإلى هذا القول ذهب القرطبي وعزاه إلى جماعة من المحققين.
الطائفة الثالثة: نفت الرؤية البصرية وأثبتت الرؤية القلبية.
وهذا القول هو إحدى الروايتين عن أحمد، وقد ذهب إليه ابن حجر للجمع بين القولين حيث قال: "وقد جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة، فيجب حمل مطلقها على مقيدها".
وعلى هذا يمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب.
ثم إن المراد برؤية الفؤاد لا مجرد حصول العلم لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان عالما بالله على الدوام، بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره، والرؤية لا يشترط فيها شيء مخصوص عقلا ولو جرت العادة بخلقها في العين.
"فتح الباري": (6/ 606، 609) .
انظر: "الفتاوى": (3/ 386) ، و (6/ 509، 511) ، "البداية والنهاية": (3/ 112) ، "فتح الباري": (6/606، 609) ، "كتاب التوحيد" لابن خزيمة: ص 129، 150، و"الشريعة" للآجري: ص 492، 495، "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي: (3/ 512) .

الصفحة 393